أما ما نقرأه في بعض كتب التفاسير من أن الرسول الكريم قد سحر وخالطه لبعض الوقت شيء من المس الروحي فهذا من الروايات الملفقة نقلها بعض المفسرين ، سامحهم الله ، في كتبهم. فالرسول الكريم هو كما وصفه التنزيل : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ). (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ). (فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ).
وأما معنى الآية الكريمة التالية : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) التي اعتمدوها لمقولتهم هذه ، فنحن نفهمها بأن المولى يطلب إلى المؤمنين الالتجاء إليه من شر النفوس التي تريد أن تفصم عرى عقد المحبة والألفة بين الناس.
وبما أن لكل عموم خصوصا ، ولكل قاعدة استثناء ، فلقد سمح المولى لإبليس أن يمس نبيه أيوب بلاء منه ، ودرسا في الصبر لكل مؤمن : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ).
وأما بقية المس الروحي كأذى العين الحاسدة ، فهو حقيقة لا ننكرها ما دام هناك نص قرآني صحيح في هذا المعنى (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) وفي الحديث الشريف : «العين حق». وما على الإنسان إذا تخوف من المس الروحي إلا اللجوء الصادق إلى المولى من خلال الالتزام بتعاليمه. والمعوذتان من آيات الشفاء للمؤمنين من المس الروحي إذا تسربت لأنفسهم هذه الأفكار الوسواسية وغالبا ما تتسرب ، علما أن المس الروحي الصحيح هو حالات نادرة جدا إذ لم نستطع أن نقع خلال عشر سنوات على أي حالة حقيقية ، كما أن أكثر الذين يمارسون تجارة الطب الروحي في لبنان هم حسب خبرتنا من المشعوذين والمرضى النفسيين ، والله أعلم بهم ولله الحمد.