كم من الآباء من الذين علقوا كل آمالهم في الحياة على ولد فخيب آمالهم وكان عدوّا لهم ، يتمنون لو أن قصة سيدنا موسى والعبد الصالح والغلام حصلت معهم ، أو لو كان على الأقل ابنهم العاق هذا مريضا من المعاقين والمتأخرين عقليّا كما نسمع عن لسانهم.
وهكذا إذا استعرض المؤمن بعين البصيرة مصيبة حلت به أو بغيره وتفهمها على ضوء هذه المقاييس القرآنية الثمانية لهوية المصيبة اطمأنت نفسه إلى مصيره حاضرا ومستقبلا وأبعد عنها القلق والخوف ، والثورة ضد الذات والغير والقدر ، فقدر الإنسان بيد الله الذي يغير فيه بحسب أعمال الإنسان إلا الأجل فلا تغيير فيه. فليتوكل الإنسان المؤمن ، توكلا صادقا ليس كيفيّا اعتباطيّا على العزيز الرحيم وسيرى أنه سيكون من المطمئنين السعداء ...
كم من مرضانا وأهليهم وبعد أن شرحنا لهم تدريجيّا ومن زاوية إيمانية معنى المصيبة في قوله تعالى (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ. لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) (الحديد : ٢٢ ـ ٢٣) تقبلوا مصائبهم عن طيب خاطر بل رضى ودون استسلام يائس أو ثائر ضد ما يسمونه القدر ، فالمولى سبحانه وتعالى من صفاته أنه الحكم العدل الرحيم (لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) .. وإن لم يفهم المؤمن معنى المصيبة التي حلت به فهو سيعلم لاحقا معناها : فليصبر : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً ، وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة : ٢١٦).