والطب العصبي والنفسي خلال خمس عشرة سنة ، وذهلت خلال ممارستي هذه من العدد الكبير للمرضى الذين يطرقون عيادتي أو يدخلون المستشفيات ، لعوارض تافهة برأي أكثر الأطباء ، ولم أعد أجدها تافهة في ما ترمز إليه من خلال أحاديثي المطولة مع هؤلاء المرضى ، فهي أعراض طبية بسيطة في مظهرها ، لكن جذورها ترجع في أكثرها إلى الخوف من الموت ، وما إن يطمئن المريض إلى أن ما يشكو منه ليس له علاقة بمرض عضال خطر هو بنظر العامة السرطان أو الأمراض القلبية أو الشلل ، حتى يشفى ولو دون دواء أو أي دواء ذي فائدة وهمية. فأكثر المرضى عند ما يطرق أحدهم باب عيادة الطبيب يريد أولا شعوريّا أولا شعوريّا أن يطمئن على ذاته من خطر الموت (وكأن باستطاعة أحد في العالم أن يمنع الموت عند حلول الأجل المحتوم) قبل أن يسأل عن العلاج ، وكلنا يعلم كم من المرضى العصابيين يدخلون المستشفيات بصورة طارئة ، وبعد دقائق أو ساعات قليلة من المصل وحقنة مهدئة وفحوصات مخبرية وشعاعية مطمئنة يشفون بقدرة قادر. إنه الخوف من الموت ، فالطبيب والمستشفى هما «الرقية» باعتقادهم من الموت! إنه اعتقاد خاطئ وعشرات المرضى من هذه النوعية ندعوهم بالموسوسين يطرقون أبواب الأطباء ، والمشعوذين من مدعي علم الطب الروحي ، متأبطين أكداسا من الصور الشعاعية والتحاليل المخبرية ، عارضين العشرات من الأدوية والوصفات الطبية والتقارير الاستشفائية لدخولهم المستشفيات المتعددة ، معذّبين ، ومعذّبين لأهلهم ومحيطهم الأسري ، كلما اختفت أعراض مرضية وظيفية من عضو في جسدهم ، ظهرت أعراض في موضع آخر ، يتنقلون من عيادة إلى أخرى ومن مستشفى إلى آخر طلبا للعلاج ، وهؤلاء هم في الحقيقة يفرون من عقدة خوف الموت المتأججة عندهم ، ولا شفاء لهم برأيي إلا من خلال معالجة نفسية تحليلية مرتكزة ومستندة إلى معطيات الإيمان الصحيح. إنهم أصعب المرضى معالجة ، هم كابوس الأطباء ، وهم