الحديث والسيرة ودراسة جدّية عميقة لآيات القرآن الكريم وأسباب التنزيل (وهذا الشيء ليس بالصعب أبدا على أي عالم بل يتطلب فقط الإيمان وبعض الوقت) ، إن أهل الذكر هؤلاء أي أهل الاختصاص من العلماء ، لهم الحق بتفسير وتأويل آيات القرآن الكريم كل في حقل اختصاصه فالرسول الكريم لم يفسر لنا إلا آيات العقيدة والأحكام وبعضا من الآيات العلمية في حقل العلوم المادية ربما ، والله أعلم ، التزاما منه بقوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ). وفي كل عصر وحتى يوم الدين سيجد المسلم وكل من أراد الإيمان اليقيني بالقرآن الكريم ، البرهان القاطع والدليل الثابت ، الذي يتناسب مع مستوى علمه وثقافته ، وآخر ما كشفه العلم في زمنه مصداقا لقوله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ).
نرجو بكلمتنا هذه أن نكون قد خففنا شيئا من حدة المناقشات التي نقرأها بين وقت وآخر في الكتب والنشرات التي تعنى بالإسلام ، وتدور حول موضوع أخطئ في صياغة طرحه أصلا : هل القرآن الكريم كتاب علم أو دين ومن يحق له تفسير معاني آياته رجال العلم أم رجال الدين؟
فالقرآن الكريم لا يمكن تعريفه إلا بأنه كتاب الله وكلامه ، والكلام صفة المتكلم. والمولى عز وعلا عرّف ذاته بقوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). كذلك كتابه الكريم ليس كمثله كتاب. ومن أراد تعريفه بأنه كتاب هدى ودين وإرشاد ، أو كتاب علم ، فقد عرف ميزة واحدة من ميزات كتاب الله الكثيرة والتي لا يحيط بها إلا قائله : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (عند ما يعلمون شيئا من تأويله) (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (آل عمران : ٧). فالقرآن الكريم هو في الحقيقة شرح لأسماء الله الحسنى : ومنها «الهادي» و «العليم» وليست هاتان الصفتان هما كل أسماء الله الحسنى. وكل رجال العلم ، سواء كانوا من علماء العلوم