خلايا البدن فتبعث فيها الحياة ، ومن هذه الزاوية نستطيع أن نفهم شيئا من أسرار الآيات الكثيرة التي وردت فيها كلمة القلب والصدر ، فالله يبتلي ما في صدورنا ويمحص ما في قلوبنا (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) (آل عمران : ١٥٤) ، وينزل سكينته في قلوبنا (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ). ونحن نفقه بواسطة قلوبنا ويطبع ويختم على قلوبنا : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها). (كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ). (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) ، ولو لم يودع المولى في هذا العضو الكثير من أسراره كالروح والإيمان وغيرهما لما كرمه هذا التكريم.
بكلمة مختصرة قريبة من الأذهان : إن القلب الذي تسكنه الروح وأسرار إلهية أخرى هو محطة البث والإرسال الرئيسية في الجسم والنفس أي الدم ، هي موجات الأثير التي ينتقل عليها ما يبثه القلب إلى الدماغ المفكر الذي يشكل شاشة الاستقبال والتوزيع إلى مختلف بقية أعضاء الجسم. وإذا اختلت محطة الإرسال والبث اختلت وظيفة بقية أعضاء الجسم ومن هنا أهمية القلب ليس من الناحية العضوية ، ولكن من الناحية الروحية أيضا ولقد وردت كلمة القلب في القرآن الكريم في مائة واثنتين وثلاثين آية كريمة تدليلا على أهميته عند الإنسان.
ولا نستطيع أن نفهم العوارض والانفعالات والأمراض النفسية ومسبباتها وانعكاساتها العضوية في الجسد وتأثير الروح والعقل سلبا أو ايجابا في كل هذه المظاهر النفسية ـ العضوية إلا إذا سلمنا ، وحسب الهدي القرآني ، أن في الإنسان نفسا وعقلا وروحا ، وأن الروح هي العلة الأولى ، وسبب الحياة ، هي الجوهر ، وهي تتفاعل تفاعلا وثيقا حميما مع العقل والنفس ، التي هي مصدر جميع الانفعالات والظواهر النفسية وما يتبعها من انعكاسات عضوية بالجسم ، وبقدر ما نسمو بالجوهر ونبتعد به عما نهى عنه