أمّا المقام الأوّل : وهو كفاية العلم الإجمالي في تنجّز التكليف واعتباره كالتفصيليّ.
فقد عرفت أنّ الكلام في اعتباره بمعنى وجوب الموافقة القطعية وعدم كفاية الموافقة الاحتمالية راجع إلى مسألة البراءة والاحتياط. والمقصود هنا بيان اعتباره في الجملة الذي أقل مراتبه حرمة المخالفة القطعية ، فنقول : إنّ للعلم الإجمالي صورا كثيرة لأنّ الإجمال الطارئ ؛ إمّا من جهة متعلّق الحكم مع تبيّن نفس الحكم تفصيلا ، كما لو شككنا أنّ حكم الوجوب في يوم الجمعة يتعلّق بالظهر أو الجمعة ، وحكم الحرمة يتعلّق بهذا الموضوع الخارجي من المشتبهين أو بذاك.
____________________________________
ثم أجاب السيد عن هذا الاستدلال بأنّ حمل الأمر على الوجوب ضد للاحتياط ، إذ يلزم ـ حينئذ ـ على المكلّف أن يعتقد بوجوب المأمور به ويأتي به بقصد الوجوب ، ويعتقد حرمة تركه ، والالتزام بما ذكر قبيح لمن يحتمل كون الأمر للندب ، وظاهر هذا الكلام عدم مشروعية الاحتياط لأنه ضد للاحتياط ، وهذا الظاهر مدفوع بأنّ الاحتياط بنفسه حسن عقلا ومستحب شرعا ، ولم يدل دليل على عدم مشروعيته.
(المقام الأول ... إلى قوله : فنقول : إن للعلم الإجمالي صورا كثيرة).
وقبل بيان الصور تفصيلا لا بدّ لنا من بيانها إجمالا ليتضح به ما هو محل النزاع فنقول : إنّ الشك تارة يكون في أصل التكليف ، واخرى في نوع التكليف ، وثالثة في المكلّف به ، ورابعة في نوع التكليف والمكلّف به معا.
والقسم الأول ، وهو الشك في أصل التكليف خارج عن مورد الكلام ، لأنّ الشك فيه بدوي ، ومحل البحث هو الشك المقارن بالعلم الإجمالي ، والثلاثة الأخيرة داخلة في مورد البحث ، إذ الشك فيها مقارن للعلم الإجمالي ثم كل واحدة منها الشبهة فيها ؛ إمّا حكمية أو موضوعية ، وسيأتي الفرق بينهما من المصنّف رحمهالله.
ثم على جميع التقادير الست يمكن أن تكون الشبهة وجوبية أو تحريمية ، فأقسام الشبهة كلّيا هي اثنا عشر ، ثم يشير المصنّف رحمهالله إلى كل واحدة من الثلاثة الأخيرة الداخلة في محل النزاع.
فقوله : (إمّا من جهة متعلّق الحكم مع تبيّن نفس الحكم تفصيلا) إشارة إلى الصورة الثالثة : وهي الشك في المكلّف به ، وذلك في الشبهة الوجوبية كشكّنا في متعلّق الوجوب