والأقوى من هذه الوجوه هو الوجه الثاني ، ثم الأول ، ثم الثالث ، ثم الرابع. هذا كلّه في اشتباه الحكم من حيث الفعل المكلّف به.
وأمّا الكلام في اشتباهه من حيث الشخص المكلّف بذلك الحكم فقد عرفت أنه يقع تارة في الحكم الثابت لموضوع واقعي مردّد بين شخصين ، كأحكام الجنابة المتعلّقة بالجنب المردّد بين واجدي المني ، وقد يقع في الحكم الثابت لشخص من جهة تردّده بين موضوعين ، كحكم
____________________________________
الخطاب فيها مرددا بين الخطابين لعدم الجامع بينهما.
ويمكن ردّ هذا الوجه بأن يقال : هل تكون معصية كل واحد منها فيما إذا كانت متّحدة بالنوع معصية لما هو مطلوب الشارع أم لا تكون كذلك؟
فعلى الأول نقول : إن الأمر كذلك فيما إذا كانت مختلفة بحسب النوع.
وعلى الثاني : يلزم الخلف عند المفصّل لأنّه يقول بأن مخالفة كل خطاب مستلزمة لمعصية ما هو المطلوب عند الشارع.
(والأقوى من هذه الوجوه هو الوجه الثاني ، ثم الأول ، ثم الثالث).
ويظهر وجه كون الثاني أقوى عند المصنّف ممّا تقدم منه من عدم تجويزه المخالفة العملية لأنها قبيحة عقلا ، ولا يعذر فيها شرعا الّا الجاهل بها جهلا بسيطا ، ثم ضعّف الوجه الأول ، والثالث ، والرابع ، وقد تقدّم مفصلا فلا يحتاج إلى التكرار.
نعم ، على تقدير بطلان الوجه الثاني ، فالأقوى هو الوجه الأول ، يعني : جواز المخالفة مطلقا لأن العقل لا يفرّق بين كون الشبهة حكمية وبين كونها موضوعية ، ولا بين المتّحد بالنوع والمختلف به.
ثم الثالث ، يعني : على تقدير بطلان الأول والثاني ، فالأقوى التفصيل بين الشبهة الموضوعية ، فيقال فيها بجواز المخالفة العملية لأن الاصول فيها تكون حاكمة على أدلة التكاليف بخلاف الشبهات الحكمية.
ثم الوجه الرابع فباطل جدّا لأن الاختلاف غير مجد ، فإنّ المختلف بالنوع ـ أيضا ـ يرجع إلى خطاب واحد تفصيلي هو (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(١) فافهم!
__________________
(١) النساء : ٥٩.