والكلام فيه يقع في مقامين :
أحدهما : في إمكان التعبّد به عقلا.
والثاني : في وقوعه عقلا أو شرعا.
____________________________________
بحث الظن
(المقصد الثاني : في الظن ، والكلام فيه يقع في مقامين).
المقام الأول : يبحث فيه عن إمكان التعبّد بالظن عقلا ، بمعنى جعل الشارع إيّاه حجّة من دون لزوم محذور عقلا.
وأما المقام الثاني : فيبحث فيه عن وقوع التعبّد به شرعا ، فيكون المقام الثاني بعد ثبوت امكان التعبّد به في المقام الأول.
فإن قلنا بعدم إمكان التعبّد به في المقام الأول ، فلا مجال للبحث عن الوقوع أصلا ، إذ وقوع الشيء فرع لإمكانه. ولذا يقدّم الكلام في المقام الأول أولا.
وقبل البدء لا بدّ من تعيين المراد من الإمكان فنقول : إن الإمكان وإن كان له معان كثيرة كما في شرح المنظومة ، الّا أن المراد منه في المقام هو الإمكان الوقوعي في مقابل الامتناع الوقوعي والّا فإمكان التعبّد بالظن بالإمكان الذاتي في مقابل الامتناع الذاتي لا نزاع فيه أصلا ، لأن التعبّد به ليس كشريك الباري تعالى ممتنعا بالذات.
إذ المراد من الإمكان الوقوعي هو ما لا يلزم من وقوعه محال في مقابل الامتناع الوقوعي ، وهو ما يلزم من وقوعه محال خارجا ، كما يظهر من دليل ابن قبة على ما يأتي حيث يقول : إن التعبّد بالظن مستلزم لاجتماع النقيضين أو الضدين.
فالحاصل أن محل النزاع هو الإمكان الوقوعي في مقابل الامتناع كذلك لا الإمكان الذاتي بمعنى ما يقتضي ذاته العدم ، ويمتنع عليه الوجود كشريك الباري تعالى ، ثم الواجب بالذات ما يقتضي ذاته الوجود ، ويستحيل عليه العدم كالواجب تعالى.
والحاصل أنّ المراد من الإمكان هو الإمكان الوقوعي لا الذاتي ، ولا الإمكان بمعنى الاحتمال العقلي كما نقل عن ابن سينا حيث قال : «كلّما قرع سمعك من الامور الغريبة