قال في النهاية في هذا المقام ، تبعا للشيخ قدسسره ، في العدة : «إن الفعل الشرعي إنّما يجب لكونه مصلحة ، ولا يمتنع أن يكون مصلحة إذا فعلناه ونحن على صفة مخصوصة ، وكوننا ظانّين بصدق الراوي صفة من صفاتنا ، فدخلت في جملة أحوالنا التي يجوز كون الفعل عندها مصلحة» ، انتهى موضع الحاجة.
فإن قلت : إن هذا إنّما يوجب التصويب ، لأن المفروض على هذا أن في صلاة الجمعة التي أخبر بوجوبها مصلحة راجحة على المفسدة الواقعية ، فالمفسدة الواقعية سليمة عن
____________________________________
في التعبّد بالظن والخبر أصلا لتدارك المصلحة الفائتة بالمصلحة الحادثة بسبب قيام الخبر على وجوب شيء مثلا.
ثم يذكر قول الشيخ الطوسي رحمهالله في العدّة مؤيّدا لذلك ، وخلاصة ما في العدّة : إن الفعل الشرعي يجب لكونه ذا مصلحة كما إنّه يحرم لكونه ذا مفسدة. ثم مصلحة الفعل يمكن أن تكون بحسب ذاته كالصلاة والإحسان ، ويمكن أن تكون باعتبار صفة من صفاتنا ، بمعنى : إذا فعل المكلّف وكان على صفة مخصوصة وفي حال من الأحوال كان الفعل عندها ذا مصلحة ، ولكن ليس كذلك عند اتصاف المكلّف بصفة اخرى وكونه في حال آخر.
أ لا ترى أن الصلاة قصرا ذات مصلحة عند اتصاف المكلّف بالسفر ، وكونه في هذا الحال ، وليست كذلك حال كونه في الحضر ، فلا يمتنع أن تكون صلاة الجمعة ذات مصلحة إذا فعلناها ونحن على صفة مخصوصة كالظن بصدق الراوي (فدخلت) صفة الظن (في جملة أحوالنا التي يجوز كون الفعل عندها مصلحة) وباعتباره كان واجبا ، ثم بهذه المصلحة تتدارك المصلحة الواقعية الفائتة ، فيمكن التعبّد بالخبر من دون لزوم محذور تفويت المصلحة الواقعية ، غاية الأمر أنّ المصلحة الحادثة بقيام الظن اعتبارية ، فتعتبر في حال دون آخر وعند صفة دون صفة اخرى.
(فإن قلت : إن هذا إنّما يوجب التصويب).
يعني : اعتبار الظن على نحو السببية يوجب التصويب الباطل عند الإمامية ، إذ يلزم ـ حينئذ ـ أن يكون الحكم الشرعي الواقعي دائرا مدار قيام الأمارة وجودا وعدما فيكون متعدّدا في الواقع بحسب تعدّد آراء المجتهدين ، وليس هذا الّا التصويب الباطل لأنّ من معانيه هو أن يكون الحكم الواقعي تابعا لاجتهاد المجتهد.