والحاصل : أنّ أصالة عدم الحادث إنّما يحتاج إليها في الأحكام المترتبة على عدم ذلك الحادث ، وأمّا الحكم المرتب على عدم العلم بذلك الحادث فيكفي الشك فيه ، ولا يحتاج إلى إحراز عدمه بحكم الأصل.
وهذا نظير قاعدة الاشتغال الحاكمة بوجوب اليقين بالفراغ ، فإنه لا يحتاج في إجرائها إلى إجراء أصالة عدم فراغ الذمّة ، بل يكفي فيها عدم العلم بالفراغ ، فتأمّل.
ومنها : إن الأصل هي إباحة العمل بالظن لأنّها الأصل في الأشياء. حكاه بعض عن
____________________________________
في الصلاة يترتّب على وجود الطهارة ، وعدم جوازه يترتّب على عدمه.
والثاني : كحكم العقل باشتغال ذمّة المكلّف ، فالحكم باشتغال الذمّة أثر يترتّب على مجرد عدم العلم بالبراءة والشك بها ، فإذا شكّ المكلّف بفراغ ذمّته عن التكليف يحكم العقل بالاشتغال ، فلا حاجة فيه إلى استصحاب اشتغال الذمّة بالتكليف ، أو إلى أصالة عدم فراغ الذمّة عنه.
إذا عرفت هذا نقول : إنّ الاستصحاب يجري فيما إذا كان الأثر أثرا لوجود الشيء أو لعدمه كالقسم الأول ، لأنّ الاستصحاب يكون من الاصول المحرزة ، فإذا شك المكلّف بوجود الشيء بعد علمه به يستصحب بقاءه ، فيحرز وجوده به ثم يترتّب عليه الأثر ، وكذا في جانب العدم.
وأمّا إذا كان الأثر أثرا لعدم العلم بشيء فلا حاجة إلى الاستصحاب ، بل مجرد عدم العلم يكون كافيا في ترتّب الأثر عليه ، وما نحن فيه يكون من هذا القبيل ، لأنّ الأثر ـ وهو الحكم بحرمة التعبّد بالظن ، أو حرمة العمل به ، أو عدم إيجاب العمل به ـ يترتّب على عدم العلم بحجّية الظن ، فمجرد الشك في الحجّية يكون كافيا في الحكم بالحرمة ، فلا حاجة إلى أصالة عدم الحجّية أو أصالة عدم وقوع التعبّد به ، أو أصالة عدم إيجاب العمل به.
(فتأمّل) لعلّه اشارة إلى الفرق بين هذا الأصل وبين الأصل السابق بعد اشتراكهما في الحكم بحرمة العمل بالظن من أنّ الأصل السابق يكون قاعدة كلية مستفادة من الأدلة الأربعة ، ولكن هذا الأصل ليس كذلك ، بل لو قلنا بجريانه يكون من مصاديق الاستصحاب ، فالأصل السابق أولى منه.
(ومنها : إنّ الأصل هي إباحة العمل بالظن لأنّها الأصل في الأشياء).