ألا ترى أنّه إذا دار الأمر بين رجحان عبادة وحرمتها كفى عدم ثبوت الرجحان في ثبوت حرمتها؟
ومنها : إن الأمر في المقام دائر بين وجوب تحصيل مطلق الاعتقاد بالأحكام الشرعية المعلومة اجمالا ، وبين وجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي ، فيرجع إلى الشك في المكلّف به وتردّده بين التخيير والتعيين ، فيحكم بتعيين تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي تحصيلا لليقين بالبراءة خلافا لمن لم يوجب ذلك في مثل المقام.
____________________________________
(ألا ترى أنّه إذا دار الأمر بين رجحان عبادة وحرمتها كفى عدم ثبوت الرجحان في ثبوت حرمتها؟).
يعني : مشروعية العبادة تابعة للعلم برجحانها ، والعلم بالرجحان لا يحصل الّا بالأمر بها وجوبا أو ندبا ، فيكون مجرد الشك وعدم العلم بالرجحان كافيا في الحكم بالحرمة ، ولا حاجة فيه إلى العلم بعدم الأمر بها أو النهي عنها.
(ومنها : إنّ الأمر في المقام دائر بين وجوب تحصيل مطلق الاعتقاد).
توضيح هذا الوجه يتوقّف على مقدّمة ، وهي : إنّا نعلم إجمالا بثبوت الأحكام الشرعية ، إذ لا يوجد شيء الّا وله حكم في الشريعة ، ونحن مكلّفون بإطاعة هذه الأحكام ، وإطاعتها تتوقف على الاعتقاد بها ، فيجب علينا تحصيل الاعتقاد بها.
إذا عرفت هذه المقدّمة ، نقول : إنّا نعلم بوجوب تحصيل الاعتقاد ، ولكن لا نعلم بأن الواجب هل هو تحصيل مطلق الاعتقاد ظنيا أو علميا ، أو تحصيل الاعتقاد العلمي فقط فيرجع الشك في المقام إلى الشك في المكلّف به؟
(وتردّده) أي : المكلّف به بين (التخيير والتعيين) إذ لو كان الواجب علينا تحصيل مطلق الاعتقاد لكنّا مخيرين بين تحصيل العلم ، وبين تحصيل الظن ، ولو كان تحصيل الاعتقاد القطعي فقط لكان الواجب هو تحصيل اعتقاد معيّن.
فتكون هذه المسألة من صغريات مسألة دوران الواجب بين التخيير والتعيين ، ومقتضى الاحتياط فيها هو التعيين تحصيلا لليقين بالبراءة ، فيحكم بوجوب تحصيل العلم فقط ، ثم النتيجة هي حرمة العمل بالظن.
قوله : (خلافا لمن لم يوجب ذلك) اشارة إلى الاختلاف في مسألة دوران الشيء بين