فإذا قطع كون مائع بولا ـ من أيّ سبب كان ـ فلا يجوز للشارع أن يحكم بعدم نجاسته او عدم وجوب الاجتناب عنه ، لأنّ المفروض أنّه بمجرّد القطع يحصل له صغرى وكبرى ، أعني قوله : هذا بول ، وكلّ بول يجب الاجتناب عنه ، فهذا يجب الاجتناب عنه ، فحكم الشارع بأنّه لا يجب الاجتناب عنه مناقض له.
إلّا إذا فرض عدم كون النجاسة ووجوب الاجتناب من أحكام نفس البول ، بل من أحكام ما علم بوليّته على وجه خاصّ من حيث السبب أو الشخص أو غيرهما ، [فخرج العلم حينئذ عن كونه طريقا] ويكون مأخوذا في الموضوع ، وحكمه أنّه يتّبع في اعتباره مطلقا أو على وجه خاصّ دليل ذلك الحكم الثابت الذي اخذ العلم في موضوعه.
فقد يدلّ على ثبوت الحكم لشيء بشرط العلم به ، بمعنى انكشافه للمكلّف من غير خصوصيّة للانكشاف ، كما في حكم العقل بحسن إتيان ما قطع العبد بكونه مطلوبا لمولاه ، وقبح ما يقطع بكونه مبغوضا ، فإنّ مدخليّة القطع بالمطلوبيّة أو المبغوضيّة في صيرورة الفعل حسنا أو قبيحا عند العقل لا يختصّ ببعض أفراده.
____________________________________
وأسباب القطع وأزمانه ... إلى آخره).
هذا الكلام من المصنف قدسسره إشارة إلى الفرق بين القطع الطريقي المحض والموضوعي ويمكن الفرق بينهما بوجوه :
الأول : ما تقدّم من أنّ القطع الطريقي لا يقع وسطا ، فلا يطلق عليه الحجّة بما هو عند الاصولي ، وهذا بخلاف القطع الموضوعي حيث يقع وسطا ويطلق عليه الحجّة ولو مسامحة.
والثاني : ما ذكره المصنف قدسسره حيث قال : لا يفرق فيه ، أي : في الطريقي بين أفراده ، وأسبابه وأزمانه ، فإنّه حجّة مطلقا ، ولا يمكن التصرف فيه أصلا ، لما عرفت من أن حجّيته كطريقيّته غير قابلة لتعلّق الجعل نفيا وإثباتا.
وهذا بخلاف القطع الموضوعي حيث تكون حجّيته تابعة لدلالة الدليل الدال على اعتباره ، وأخذه في الموضوع سعة وضيقا ، فقد يدل الدليل على أخذ خصوص القطع من جهة القاطع أو السبب ، أو غيرهما في الموضوع وقد يدل على أخذ مطلق القطع في الموضوع من دون كونه مقيّدا بشيء من الخصوصيات كما في المتن.