وكما في حكم الشرع بحرمة ما علم أنّه خمر ، أو نجاسته بقول مطلق ، بناء على أنّ الحرمة والنجاسة الواقعيّتين إنّما تعرضان مواردهما بشرط العلم ، لا في نفس الأمر ، كما هو قول بعض.
وقد يدلّ دليل ذلك الحكم على ثبوته لشيء بشرط حصول القطع به من سبب خاصّ أو شخص خاصّ ، مثل ما ذهب إليه بعض الأخباريّين من عدم جواز العمل في الشرعيّات بالعلم غير الحاصل من الكتاب والسّنة كما سيجيء ، وما ذهب إليه بعض من منع عمل القاضي بعلمه في حقوق الله تعالى.
وأمثلة ذلك بالنسبة إلى حكم غير القاطع كثيرة ، كحكم الشارع على المقلّد بوجوب الرجوع إلى الغير في الحكم الشرعي إذا علم به من الطرق الاجتهاديّة المعهودة ، لا من مثل الرمل والجفر ، فإنّ القطع الحاصل من هذه وإن وجب على القاطع الأخذ به في عمل نفسه ، إلّا أنّه لا يجوز للغير تقليده في ذلك ، وكذلك العلم الحاصل للمجتهد الفاسق أو غير الإمامي من الطرق الاجتهاديّة المتعارفة ، فإنّه لا يجوز للغير العمل بها ؛ وكحكم الشارع على الحاكم بوجوب قبول خبر العدل المعلوم له من الحسّ ، لا من الحدس ، إلى غير ذلك.
ثمّ من خواصّ القطع الذي هو طريق إلى الواقع قيام الأمارات الشرعيّة والاصول العمليّة مقامه في العمل.
____________________________________
الثالث : ما أشار إليه بقوله : (ثم من خواصّ القطع الذي هو طريق إلى الواقع قيام الأمارات الشرعية والاصول العمليّة مقامه في العمل) وفي بعض النسخ [وبعض الاصول العملية] والصحيح هو قيام بعض الاصول كالاستصحاب مقام القطع الطريقي لا جميعها ، وذلك لأنّ الاصول على قسمين :
أحدهما : هي الاصول المحرزة.
وثانيهما : غير المحرزة.
الاصول المحرزة : هي التي تقوم مقام القطع ، إذ فيها جهة يحرز بها الواقع فتشابه القطع ، ولهذا تقوم مقامه كالاستصحاب.
وأمّا الاصول غير المحرزة كالبراءة فلا تقوم مقام القطع أصلا.
وبالجملة : إنّ الأمارات الشرعية كخبر الواحد ـ مثلا ـ وبعض الاصول العملية