ومعلوم أنّ احتمال الغفلة من المتكلّم أو السامع احتمال مرجوح في نفسه ، مع انعقاد الإجماع من العقلاء والعلماء على عدم الاعتناء باحتمال الغفلة في جميع امور العقلاء ، أقوالهم وأفعالهم ، وأمّا إذا لم يكن مقصودا بالإفهام فوقوعه في خلاف المقصود لا ينحصر سببه في الغفلة. فإنّا إذا لم نجد في آية أو رواية ما يكون صارفا عن ظاهرها واحتملنا أن يكون
____________________________________
بالمراد ، وهذا المناط مختصّ بمن قصد إفهامه من الكلام.
ومنها : إن وظيفة المتكلّم في مقام الإفهام ، هو أن يلقي كلامه على نحو لا يقع المخاطب المقصود بالإفهام على خلاف مراده ، فلا بدّ أن يكون كلامه بحيث يفي بإفادة مراده.
ثم إلقاء الكلام على هذا النحو يجب بالنسبة إلى من قصد إفهامه ، وأمّا غيره فلا يجب إلقاء الكلام بحيث يفي بمراده ، بل ربّما يكون الكلام بالنسبة إلى الغير على نحو لا يفهم منه مراده ، إذ قد يكون مراده من الكلام من الإسرار بينه وبين من قصد إفهامه.
ومنها : إن وقوع غير المتكلّم مطلقا على خلاف مراده لا يتجاوز عن امور :
الأول : غفلة المتكلّم عن نصب القرينة على إرادة خلاف الظاهر من كلامه.
الثاني : غفلة المخاطب عن التوجّه ، والالتفات إلى القرينة.
الثالث : هو عدم وصول القرينة إلى المخاطب.
والعقلاء لا يعتنون بالاحتمالين الأوليين ؛ لأن الغفلة تكون على خلاف طبع كل إنسان في مقام الفعل ، إذ الإنسان يفعل عن التفات ، فاحتمال غفلة المتكلّم عن نصب القرينة ، واحتمال غفلة المخاطب عن القرينة منسدّان ومنفيان بأصل عقلائي ، وهو أصالة عدم غفلة كل منهما عن القرينة.
والاحتمال الثالث يكون منفيا بالنسبة إلى من قصد إفهامه فقط ؛ لأن المفروض بمقتضى الأمر الثاني هو إلقاء الكلام من المتكلم على نحو لا يقع من قصد إفهامه على خلاف مراده ، فينسدّ هذا الاحتمال لمن قصد إفهامه ، ولكن يبقى باب هذا الاحتمال الثالث مفتوحا على من لم يكن مقصودا بالإفهام ، فيقع على خلاف مراد المتكلّم من هذا الباب.
إذا عرفت هذه الامور ـ من باب المقدمة ـ فنقول : إن حجّية الظواهر مختصّة بمن قصد إفهامه ، وذلك لأن ظاهر الكلام لا يكون حجّة الّا إذا صار احتمال إرادة خلاف الظاهر