فما ذكره ـ من ابتناء كون ظواهر الكتاب ظنونا مخصوصة على شمول الخطاب للغائبين ـ غير سديد ، لأن الظن المخصوص إن كان هو الحاصل من المشافهة الناشئ عن ظن عدم الغفلة والخطأ ، فلا يجري في حقّ الغائبين ، وإن قلنا بشمول الخطاب لهم ، وإن كان هو الحاصل من أصالة عدم القرينة فهو جار في الغائبين وإن لم يشملهم الخطاب.
وممّا يمكن أن يستدل به أيضا ـ زيادة على ما مرّ من اشتراك أدلة حجّية الظواهر من إجماعي العلماء وأهل اللسان ـ ما ورد في الأخبار المتواترة معنى من الأمر بالرجوع إلى
____________________________________
هذا الكلام من المصنّف رحمهالله ردّ لمبنى التفصيل بالنسبة إلى الكتاب ، حيث قال صاحب القوانين : نحن لم نكن مقصودين بالإفهام بالنسبة إلى الكتاب بناء على عدم كون خطاباته موجّهة إلينا ، وعدم شمولها لنا ، فيكون مفهومه : إنّا مقصودون بالإفهام بخطابات الكتاب لو كانت موجّهة إلينا ، وشاملة لنا ، فيردّ المصنّف رحمهالله هذا الكلام بأنّه فاسد وذلك لأن المناط في حجّية الظواهر لمن قصد إفهامه هو أصالة عدم الغفلة ، وهذا المناط مفقود لنا ، وإن كانت الخطابات شاملة لنا ، لأن أصالة عدم الغفلة لا تعقل بالنسبة إلى من تأخّر عن الخطاب بأكثر من ألف سنة.
فالمتحصّل أن ظواهر الكتاب ليست حجّة لنا سواء كانت الخطابات شاملة
للغائبين عن زمن الخطاب ، أم لا.
نعم ، لو كان المناط هو أصالة عدم القرينة كما هو الحق لكانت ظواهر الكتاب حجّة للغائبين ، وغير المقصودين بالإفهام سواء كانت الخطابات شاملة لهم أم لا ، فما ذكره صاحب القوانين من أن الخطابات لو كانت موجّهة إلينا لكانت الظواهر حجّة لنا لا يتمّ ولا يرجع إلى محصّل صحيح أصلا.
(وممّا يمكن أن يستدل به أيضا ـ زيادة على ما مرّ من اشتراك أدلة حجّية الظواهر من إجماعي العلماء وأهل اللسان ـ ما ورد في الأخبار المتواترة معنى).
أي : ويمكن الاستدلال على حجّية ظواهر الكتاب مطلقا بما ورد متواترا ، وقد أمرنا بالرجوع إلى الكتاب ، وعرض الأخبار المتعارضة عليه ، فالمستفاد منه حجّية ظواهر الكتاب للكل ، إذ لا معنى لوجوب الرجوع إليه وعرض الأخبار عليه لو لم تكن ظواهره حجّة.