وأمّا القسم الثاني : وهو الظنّ الذي يعمل لتشخيص الظواهر.
كتشخيص أن اللفظ المفرد الفلاني ، كلفظ الصعيد أو صيغة (افعل) ، أو أن المركب الفلاني كالجملة الشرطية ، ظاهر بحكم الوضع في المعنى الفلاني ، وأنّ الأمر الواقع عقيب الحظر ظاهر ـ بقرينة وقوعه في مقام رفع الحظر ـ في مجرد رفع الحظر دون الإلزام ، والظن الحاصل هنا يرجع إلى الظن بالوضع اللغوي أو الانفهام العرفي ، والأوفق بالقواعد عدم حجّية الظنّ هنا لأن الثابت المتيقّن هو حجّية الظواهر.
____________________________________
لعدم تحقق الظهور للكلام في مورد التعارض ، فلا مجال لأصالة الحقيقة أصلا ، وهذا بخلاف المقام حيث يكون للكلام ظهور ، فتجري أصالة الحقيقة عند احتمال خلاف الظاهر. انتهى الكلام عن القسم الأول ، وهو ما يعمل لتشخيص مراد المتكلم.
(القسم الثاني) وبعده يقع الكلام في القسم الثاني وهو ما يعمل لتشخيص أوضاع الألفاظ وظواهرها ، وقبل الدخول في البحث لا بدّ من تحرير محل النزاع.
ومحل النزاع في القسم الثاني هو في إحراز الظهور وهو قد يكون مستندا إلى الوضع الشخصي المتحقّق في الحقائق ، وقد يكون مستندا إلى الوضع النوعي المتحقّق في المجازات بأقسامها ، ولعل المراد من كلام المصنّف رحمهالله : (أو الانفهام العرفي) هو الوضع النوعي لأن العرف يفهم المعنى ولو بمعونة القرينة العامة أو الخاصة ، وقد يكون مستندا إلى كثرة الاستعمال ، كاستعمال المطلق في الفرد كثيرا ، ثم الظهور إن كان متحقّقا بأحد هذه الأسباب المفيدة للعلم واليقين ، فلا كلام فيه ولا نزاع ، وكذلك لو كان متحقّقا بما يكون اعتباره قطعيا ، بل محل النزاع هو الظن بالأوضاع ، فيقع الكلام في اعتبار هذا الظن بمعنى أنه هل قام دليل على اعتباره مع قطع النظر عن حجّية الظن المطلق في الأحكام أم لا؟ وممّا قيل بحجّيته في مقام تشخيص الظهور وتعيينه ، وبعبارة اخرى : في اثبات الوضع به هو قول اللغوي.
قال المصنّف رحمهالله : (والأوفق بالقواعد عدم حجّية الظن).
ثم المراد بالقواعد هو أصالة عدم حجّية الظن ، لما تقدم من المصنّف قدسسره من أن الأصل حرمة العمل بالظن الّا ما أخرجه الدليل ولا دليل على اخراج هذا الظن (لأن الثابت المتيقّن هو حجّية الظواهر) بعد إحرازها.