اختيارا ، دون من لم يصادف.
قولك : «إنّ التفاوت بالاستحقاق والعدم لا يحسن أن يناط بما هو خارج عن الاختيار» ممنوع ، فإنّ العقاب بما لا يرجع بالآخرة إلى الاختيار قبيح ، إلّا أنّ عدم العقاب لأمر
____________________________________
(وأمّا ما ذكر من الدليل العقلي ... إلى آخره).
اختار المصنّف رحمهالله التفصيل بين المصادف وغيره ، ويقول باستحقاق الأول دون الثاني ، وذلك لأنّ من صادف قطعه الواقع قد عصى اختيارا ، إذ الفعل الاختياري ما يكون مسبوقا بالإرادة ، وشرب الخمر في المقام يكون كذلك ، فيكون اختياريا ، فيقع العقاب عليه ، ومن لم يصادف قطعه الواقع لم يكن مستحقا للعقاب لأنّه لم يشرب الخمر.
(قولك : «إنّ التفاوت بالاستحقاق والعدم لا يحسن أن يناط بما هو خارج عن الاختيار» ممنوع).
أي : لا يحسن ، بل يحسن أن يناط عدم العقاب بما هو خارج عن الاختيار لأن عدم العقاب بأمر غير اختياري لا قبح فيه ، كما هو المستفاد من الأخبار.
نعم ، العقاب بما لا يكون اختياريا ، أو بما لا يرجع بالآخرة إلى أمر اختياري لا يحسن بل يكون قبيحا ، فعدم العقاب في المقام وإن كان منوطا بأمر خارج عن الاختيار ـ وهو عدم المصادفة أو شرب الخل ، إذ المكلّف أراد شرب الخمر فشرب الخل ـ لم يكن مسبوقا بالإرادة فيكون غير اختياري ، ولكن عدم العقاب على أمر غير اختياري أو ما لم يرجع بالآخرة إلى الاختيار ليس قبيحا ، بل قبحه ممنوع عند المشهور.
والعقاب في المقام لم يكن على أمر غير اختياري بل يكون على أمر اختياري ، وهو شرب الخمر ، أو على أمر يرجع بالآخرة إلى الاختيار ، وهو المصادفة ، ولا شبهة في استحقاق العقاب على أمر يرجع بالآخرة إلى الاختيار.
ويمكن أن نجعل (ممنوع) في قول المصنف خبرا لقوله : (قولك) أي : وقولك إنّ التفاوت ... ممنوع ، بل التفاوت بالاستحقاق والعدم يحسن أن يكون منوطا بما هو خارج عن الاختيار ، لأن ما هو خارج عن الاختيار على قسمين :
الأول : ما لا يرجع بالآخرة إلى الاختيار ، والعقاب على هذا القسم قبيح.
والثاني : ما يرجع بالآخرة إلى الاختيار فلا يكون العقاب عليه قبيحا.