وأضعف من ذلك تسمية هذه الأولويّة في كلام ذلك البعض مفهوم الموافقة ، مع أنّه ما كان استفادة حكم الفرع من الدليل اللفظيّ الدال على حكم الأصل ، مثل قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ)(١).
____________________________________
والفرق بين الشهرة والشياع يكون من حيث المتعلّق ، حيث تكون الشهرة متعلقة بالأحكام ، والشياع بالموضوعات ، ولذا عبر المصنّف رحمهالله عن الشياع بكونه نظيرا للشهرة ووقع من الشهيد نظير ما وقع من البعض.
ثمّ ردّ ما وقع من الشهيد رحمهالله بما تقدّم من أنّ ملاك حجّية خبر العادل ليس هو الظن حتى يكون الظن الحاصل من الشهرة حجّة بالأولويّة.
وكذلك ملاك حجّية شهادة العدلين ليس هو الظن حتى يكون الظن الحاصل من الشياع حجّة بالأولويّة ، ولهذا لا يجوز للحاكم في باب القضاء أن يعمل بعلمه إذا لم يكن مستندا إلى شهادة العدلين.
(وأضعف من ذلك تسمية هذه الأولويّة في كلام ذلك البعض مفهوم الموافقة) والإشكال بكون تسمية هذه الأولويّة بمفهوم الموافقة أضعف من الاستدلال بها يتضح بعد بيان الفرق بين مفهوم الموافقة والأولويّة المذكورة وبتعبير آخر قياس الأولويّة ، وذلك إنّ استفادة حكم الفرع في قياس الأولويّة مبنية على أمرين :
الأمر الأول : هو تنقيح المناط في الأصل.
والأمر الثاني : هو إثبات كون المناط في الفرع أقوى منه في الأصل ، وهذا بخلاف مفهوم الموافقة حيث تكون استفادة الحكم في جانب المفهوم مبنية على ظاهر الدليل اللفظي من دون حاجة إلى تنقيح المناط أصلا ، كقوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) حيث يدلّ منطوقا على حرمة التأفيف ، ومفهوما على حرمة الشتم والضرب بطريق أولى.
فقد اتّضح من الفرق المذكور بين مفهوم الموافقة والأولويّة وجه أضعفية تسمية الأولويّة بمفهوم الموافقة ؛ لأن الحكم في مورد قياس الأولويّة لم يكن مستفادا من الدليل اللفظي لا في جانب الأصل ولا في جانب الفرع.
__________________
(١) الإسراء : ٢٣.