والاعتبارات.
فمن اشتبه عليه مؤمن ورع بكافر واجب القتل ، فحسب أنّه ذلك الكافر وتجرّى فلم يقتله ، فإنّه لا يستحقّ الذمّ على هذا الفعل عقلا عند من انكشف له الواقع ، وإن كان معذورا لو فعل ، وأظهر من ذلك ما لو جزم بوجوب قتل نبيّ أو وصيّ فتجرّى ولم يقتله.
أ لا ترى أنّ المولى الحكيم إذا أمر عبده بقتل عدوّ له فصادف العبد ابنه وزعمه ذلك العدوّ ، فتجرّى ولم يقتله ، أنّ المولى إذا اطّلع على حاله لا يذمّه على هذا التجرّي بل يرضى به ، وإن كان معذورا لو فعل.
وكذا لو نصب له طريقا غير القطع إلى معرفة عدوّه ، فأدّى الطريق إلى تعيين ابنه فتجرّى ولم يفعل ، وهذا الاحتمال حيث يتحقّق عند المتجرّي لا يجديه إن لم يصادف الواقع ، ولذا يلزمه العقل بالعمل بالطريق المنصوب ، لما فيه من القطع بالسلامة من العقاب ، بخلاف ما لو ترك العمل به ، فإنّ المظنون فيه عدمها.
____________________________________
(فإن قبح التجرّي عندنا ليس ذاتيا بل يختلف بالوجوه والاعتبارات).
وتوضيح ذلك يحتاج إلى ذكر أمرين من باب المقدمة :
الأمر الأول : ما هو المراد من القبح والحسن؟
والأمر الثاني : ما هو المراد من الوجه والاعتبار؟
فنقول : يمكن أن يكون المراد من القبح ذمّ العقل على فعل ما هو مبغوض عند المولى ، أو على ترك ما هو المطلوب عنده ، لا بمعنى المفسدة في شيء أو الضرر فيه ، فبالمقابل يكون المراد من الحسن هو مدحه على فعل ما هو مطلوب عند المولى لا بمعنى المصلحة أو النفع في شيء.
ثم المراد من الوجه والاعتبار ـ وهو الأمر الثاني ـ أنّ الأشياء بالنسبة إلى الحسن والقبح تختلف ، بمعنى : إنّ بعض الأشياء قبحه أو حسنه ذاتي ، الأول : كالظلم حيث يكون علّة تامة للقبح ، والثاني : كالإحسان حيث يكون علّة للحسن ، وبعض الأشياء يقتضي القبح لو لا المانع كالكذب أو يقتضي الحسن كذلك كالصدق ، وبعض الأشياء لا يقتضي شيئا منهما كالضرب مثلا ، فالضرب بعنوان أنّه ضرب لا يقتضي القبح ولا الحسن ، ولكن يختلف بالوجه والاعتبار بمعنى : إنّه إذا كان بعنوان التشفّي كان قبيحا ، وإذا كان بعنوان التأديب كان