بأنّ العقل مستقلّ بقبح التجرّي في المثال المذكور ، ومجرّد تحقّق ترك قتل المؤمن في ضمنه مع الاعتراف بأنّ ترك القتل لا يتصف بحسن ولا قبح لا يرفع قبحه ، ولذا يحكم العقل بقبح الكذب وضرب اليتيم إذا انضمّ إليهما ما يصرفهما إلى المصلحة إذا جهل الفاعل بذلك ، ثم إنّه ذكر هذا القائل في بعض كلماته : «إنّ التجرّي إذا صادف المعصية الواقعيّة تداخل عقابهما».
____________________________________
وملخّص الفرق : إنّ ما انيط به عدم استحقاق العقاب في الدليل العقلي من الأمر غير الاختياري ، أعني عدم المصادفة محرز ومعلوم لا يحتاج إلى الإثبات ، فيصح أن يقال بعدم العقاب لعدم المصادفة ، وهذا بخلاف ما نحن فيه ، حيث يكون رفع قبح التجرّي منوطا بحسن ما هو خارج عن الاختيار ، فعلى صاحب الفصول أن يثبت حسن ما هو خارج عن الاختيار كي يكون رافعا لعقاب التجرّي.
وبعبارة اخرى : إنّ الفرق بين المقام وبين ما تقدم في الدليل العقلي بأن الخصم في السابق يدّعي اقتضاء ارتكاب ما اعتقده حراما لاستحقاق العقاب ، وعدم مانعية عدم المصادفة ، فيكفي في ردّه احتمال مانعية عدم المصادفة ، فعليه إثبات عدم المانعية ، هذا بخلاف ما نحن فيه ، لأن المفصّل يدّعي كون التجرّي مقتضيا للاستحقاق ، وأن حسن الفعل في الواقع مانع ، حيث منعنا حسن ما هو الخارج عن الاختيار ، فعليه أن يثبت مانعية ما هو خارج عن الاختيار ، ولا يكفيه احتمال المانعية.
وثانيا : (بأن العقل مستقل بقبح التجرّي في المثال المذكور ... ثم إنّه ذكر هذا القائل في بعض كلماته : «إنّ التجرّي إذا صادف المعصية الواقعية تداخل عقابهما»).
ويرجع حاصل كلامه إلى أنّه إذا صادف الفعل المتجرّى به المعصية الواقعية كان فيه ملاكان للقبح : ملاك التجرّي ، وملاك المعصية ، فحكم بتداخل العقابين ، فهنا صغرى وهي : اجتماع التجرّي مع المعصية الواقعية ، وكبرى وهي : تداخل عقابهما ، فلا بدّ من البحث عن كل واحدة منهما ، فنقول :
إنّ اجتماع التجرّي والمعصية لا يعقل ، إذ النسبة بينهما هي التباين ، لأنّ التجرّي : هو مخالفة القطع المخالف للواقع ، والمعصية : هي مخالفة القطع المصادف له ، فالجمع بينهما جمع بين النقيضين ، فلا يمكن اجتماعهما حتى نلتزم بالعقابين ثم بتداخلهما ، الّا أن يريد