ولم يعلم معنى محصّل لهذا الكلام ، إذ مع كون التجرّي عنوانا مستقلّا في استحقاق العقاب لا وجه للتداخل إن اريد به وحدة العقاب ، فإنّه ترجيح بلا مرجّح ، وسيجيء في الرواية (أنّ على الراضي إثما وعلى الداخل إثمين) (١) ؛ وإن اريد به عقاب زائد على عقاب محض التجرّي ، فهذا ليس تداخلا ، لأنّ كلّ فعل اجتمع فيه عنوانان من القبح يزيد عقابه على ما كان فيه أحدهما.
والتحقيق : إنّه لا فرق في قبح التجرّي بين موارده ، وإنّ المتجرّي لا إشكال في استحقاقه
____________________________________
من المصادفة مصادفة التجرّي مع المعصية غير المعصية التي علم بها وتجرّى فيها.
كما إذا قطع المتجرّي بخمرية مائع فشربه ثم ظهر كونه مغصوبا ، فيكون هذا الفعل تجرّيا بالنسبة إلى شرب الخمر ، ومعصية بالنسبة إلى شرب المغصوب ، لأنّ متعلّق القطع هنا أمران : أي : الخمرية ، والحرمة ، فالقطع بالخمرية غير مصادف للواقع فمخالفته يكون تجرّيا ، والقطع بالحرمة مصادف له فمخالفته معصية.
وهذا التوجيه صحيح بناء على جواز العقاب على جنس الحرام المعلوم ، كما يقول به بعض الاصوليين ، أو على جواز العقاب على نفس الحرام الواقعي وهو الغصب بعد معلوميّة حرمة الفعل الخارجي ولو بعنوان آخر ، فحينئذ تتحقّق المعصية بالنسبة إلى جنس الحرام المعلوم ، أو بالاضافة إلى الحرام الواقعي ، ويتحقّق التجرّي بالاضافة إلى خصوصية الخمر المعلوم ، فيجتمع التجرّي والمعصية في محل واحد باعتبارين.
وأمّا إذا بنينا على عدم صحة العقاب على جنس الحرام المعلوم ولا على نفس الحرام الواقعي المعلوم بعنوان آخر فلا معنى محصّل لاجتماع المعصية والتجرّي.
هذا تمام الكلام في الصغرى.
وأمّا الكبرى فقال المصنّف رحمهالله : (ولم يعلم معنى محصّل لهذا الكلام ... إلى آخره).
وتوضيح ما ذكره المصنّف رحمهالله من عدم الوجه للتداخل يحتاج إلى مقدمة وهي :
إن تعدّد العلل يستلزم تعدّد المعلول لأنّ تعدد العلل بالإضافة إلى معلول واحد محال كما ثبت في علم الفلسفة.
__________________
(١) الوسائل ١٦ : ١٤١ ، أبواب الأمر والنهي ، ب ٥ ، ح ١٢ ، ورد فيه معنى الرواية.