الذمّ من جهة انكشاف خبث باطنه وسوء سريرته بذلك ، وأمّا استحقاقه للذمّ من حيث الفعل المتجرّى في ضمنه ، ففيه إشكال ، كما اعترف به الشهيد قدسسره ، فيما يأتي من كلامه.
نعم ، لو كان التجرّي على المعصية بالقصد إلى المعصية فالمصرّح به في الأخبار الكثيرة العفو عنه ، وإن كان يظهر من أخبار أخر العقاب على القصد أيضا ، مثل قوله صلىاللهعليهوآله : (نيّة الكافر شرّ من عمله) (١) وقوله : (إنّما يحشر الناس على نيّاتهم) (٢).
____________________________________
فبعد هذه المقدمة نقول : هل التجرّي هو علّة تامّة للعقاب كالمعصية أم ليس كذلك؟ وعلى الأول لا يعقل التداخل بمعنى وحدة العقاب ، إذ التداخل كذلك مستلزم لتعدّد العلل بالنسبة إلى المعلول الواحد ، وإعطاء العقاب لأحدهما ترجيح بلا مرجح.
وعلى الثاني نسب العقاب إلى المعصية فقط ، فلا أثر للتجرّي حتى يقال بالتداخل ، فتحصّل أنّه لا وجه لما ذكره صاحب الفصول.
(نعم ، لو كان التجرّي على المعصية بالقصد إلى المعصية فالمصرّح به في الأخبار الكثيرة العفو عنه) لأنّ التجرّي على قسمين :
القسم الأول : هو التجرّي من حيث العمل ، وقد تقدم حكمه.
والثاني : هو التجرّي من حيث القصد ، حيث شرع المصنّف رحمهالله في بيان حكمه ، ويقع الكلام فيه في أن التجرّي من حيث القصد هل يوجب العقاب أم لا؟
يقول المصنّف رحمهالله : إنّ المصرّح به في عدّة من الأخبار هو عدم العقاب ، إذ يكون مضمون هذه الأخبار أنّ من قصد المعصية ثم لم يفعل لا يعاقب على قصده ، ومن قصد ثم عصى يعاقب عقابا واحدا ، وبالمقابل من قصد الإطاعة ولم يفعل يثاب ثوابا واحدا ، ومن قصد وأطاع يثاب عشرا وطائفة منها تدل على عقاب المتجرّي بالقصد ، ويذكرها المصنّف رحمهالله واحدا بعد واحد.
منها : قول النبي صلىاللهعليهوآله : (نيّة الكافر شرّ من عمله).
وتقريب هذه الرواية واضح ، لأنّ الشر فيها من أفعل التفضيل يدل على الزيادة ، فمعناها أنّ الكافر يعاقب بالمعصية عملا ، فإذا قصدها يعاقب بطريق أولى لأنّ نيّته شرّ من
__________________
(١) الوسائل ١ : ٥٠ ، أبواب مقدمات العبادات ، ب ٦ ، ح ٣.
(٢) الوسائل ١ : ٤٨ ، أبواب مقدمات العبادات ، ب ٥ ، ح ٥.