وما ورد في تفسير قوله تعالى : (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(١) من أنّ نسبة القتل إلى المخاطبين مع تأخّرهم عن القاتلين بكثير لرضاهم بفعلهم.
ويؤيّده قوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(٢).
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٣).
ويمكن حمل الأخبار الاول على ما ارتدع عن قصده بنفسه ، وحمل الأخبار الأخيرة على من بقي على قصده حتى عجز عن الفعل لا باختياره.
____________________________________
الْفاحِشَةُ ...)(٤) الآية.
قال : يؤيّده ، ولم يقل : يدل ، إذ العذاب على حبّ شيء يؤيّد العذاب على قصده ، ولا يدل عليه لضعف القصد عن الحب ، ويمكن أن يقال : إنّ هذه الآية صالحة للاستدلال على المراد ، ويناسب الاستدلال بها عدم لفظ التأييد في بعض النسخ ، وتقريب الاستدلال : إنّ الحبّ هو مرتبة نازلة من مراتب القصد ، حيث إنّ القاصد يحبّ المقصود أولا ثم يريده ، ويقصد بناء على هذا إذا كان حبّ شيء حراما لكان قصده حراما بطريق أولى.
وقوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ ...).
يعني : إن تبدوا ما في أنفسكم ، أي : تظهروه بالعمل ، أو تخفوه يحاسبكم به الله ، يحتمل أن يكون المراد من الموصول العموم فيشمل القصد ، فيكون دليلا على المقام ، ويحتمل أن يكون المراد منه خصوص الحسد أو الكفر مثلا ، فلا يرتبط بالمقام ، فلذا ذكره من باب التأييد.
وما ورد في تفسير قوله تعالى : (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ..) الآية.
فما ذكر في تفسير هذه الآية يكون مؤيّدا للعقاب على قصد المعصية ، ولا يدل عليه لاحتمال إرادة أنّ الرضا بالقتل يكون في حكم القتل في الذمّ لا في العقاب.
__________________
(١) آل عمران : ١٨٣.
(٢) القصص : ٨٣.
(٣) النور : ١٩.
(٤) النور : ١٩.