وقد علم ممّا ذكرنا أنّ التجرّي على أقسام يجمعها عدم المبالاة بالمعصية أو قلّتها :
أحدها : مجرّد القصد إلى المعصية.
والثاني : القصد مع الاشتغال بمقدّماته.
والثالث : القصد مع التلبّس بما يعتقد كونه معصية.
والرابع : التلبّس بما يحتمل كونه معصية رجاء لتحقّق المعصية به.
والخامس : التلبّس به لعدم المبالاة بمصادفة الحرام.
والسادس : التلبّس به رجاء أن لا يكون معصية وخوف أن يكون معصية.
____________________________________
(أنّ التجرّي على أقسام يجمعها عدم المبالاة بالمعصية أو قلّتها ... إلى آخره).
يعني : إنّ للتجرّي ستة أقسام ، والثلاثة الاولى منها كانت متشابهة ومتصاعدة ، والثلاثة الأخيرة تكون متشابهة متنازلة ، ومعنى كون الثلاثة الاولى متصاعدة أنّ اللاحق يكون آكد من سابقه ، إذ الأوّل منها كان مجرد القصد إلى المعصية ، والثاني هو القصد مع الاشتغال بمقدماته ، والثالث القصد مع التلبّس بما يعتقد كونه معصية ، ولا ريب في أنّ الثاني آكد من الأول لأنّ فيه اشتغالا بمقدمات الفعل ، وكذا الثالث أشد تجرّيا من الثاني إذ فيه تلبس بالفعل ، وحكم هذه الثلاثة علم من كلام المصنّف في مورد التجرّي بالفعل وبالقصد.
أمّا الثلاثة الأخيرة الّتي تكون على عكس الثلاثة الاول كان الأول منها ـ أعني الرابع ـ هو التلبس بما يحتمل كونه معصية رجاء لتحقق المعصية ، فإنّ هذا أشدّ من جهة التجرّي بالنسبة إلى الثاني منها وهو الخامس ، لأنّ المتجرّي في الرابع يرجو تحقّق المعصية لخباثته بخلاف الخامس ، وكذا الخامس أشدّ تجرّيا من السادس ، إذ الفرض في السادس هو التلبس بما يحتمل كونه معصية برجاء أن لا يكون معصية وخوف كونها معصية ، بخلاف الخامس فإن الفرض فيه عدم الخوف من كونه معصية لعدم المبالاة. ثم إنّ المراد من الاحتمال في الثلاثة الأخيرة هو الأعمّ من الشك والوهم والظن غير المعتبر ، كما أنّ المراد من الاعتقاد في القسم الثالث هو الأعمّ من الجزم والظن المعتبر.
نعم ، لو كان المراد من الاعتقاد في القسم الثالث هو الجزم فقط لكان المراد من الاحتمال في الأقسام الأخيرة هو الأعمّ من الشك والوهم ومطلق الظن معتبرا كان أو غيره ، والجامع بين الأقسام الستة هو عدم المبالاة أو قلّتها.