ويشترط في صدق التجرّي في الثلاثة الأخيرة عدم كون الجهل عذرا عقليّا أو شرعيا ، كما في الشبهة المحصورة الوجوبيّة أو التحريميّة ، والّا لم يتحقّق احتمال المعصية وإن تحقّق احتمال المخالفة للحكم الواقعي ، كما في موارد أصالة البراءة واستصحابها.
ثم إنّ الأقسام الستّة كلّها مشتركة في استحقاق الفاعل للمذمّة من حيث خبث ذاته
____________________________________
(ويشترط في صدق التجرّي في الثلاثة الأخيرة عدم كون الجهل عذرا عقليا أو شرعيا ، كما في الشبهة المحصورة الوجوبية أو التحريمية).
ومثال الأول : كتردّد وجوب الصلاة بين كونه متعلّقا بالظهر أو الجمعة ، ومثال الثاني كتردّد الخمر بين المائعين ، فإنّ الجهل في كل واحد منهما ليس عذرا لوجود العلم الإجمالي في كل واحد منهما ، فيجب الإتيان بكل واحدة من الظهر والجمعة في المثال الأول حتى يحصل اليقين بإتيان الواجب الواقعي ، ويجب ترك شرب المائعين في المثال الثاني حتى يحصل اليقين بترك الحرام الواقعي.
هذا بناء على القول بأنّ العلم الإجمالي كاف في تنجّز التكليف ، والجهل لا يكون عذرا كما عليه المصنّف رحمهالله. وأمّا على القول بأنّ الجهل عذر ؛ أمّا بحكم العقل أو النقل ، والعلم الإجمالي ليس بكاف في تنجّز التكليف كما عليه البعض لم يكن في المثالين احتمال المعصية حتى يتحقّق فيهما التجرّي.
فالحاصل أنّ الجهل في الشبهة المحصورة لا يكون عذرا لا عقلا إذ دفع الضرر المحتمل واجب عقلا ، ولا شرعا لأنّ العلم الإجمالي كاف في تنجّز التكليف ، فيجب الاحتياط.
(كما في موارد أصالة البراءة واستصحابها) فإنّ الجهل عذر في مواردهما وإن احتمل مخالفة الالتزام بالبراءة للحكم الواقعي من الوجوب والحرمة ، لاحتمال ثبوتهما في الواقع في مورد البراءة ، إلّا أنّه لا يحتمل المعصية لأنّها مترتّبة على مخالفة الحكم المنجّز ، ومع عدم الطريق إليه يحكم العقل حكما قطعيا في مرحلة الظاهر بقبح العقاب ، والتمثيل باستصحاب البراءة إنّما هو على رأي البعض ، إذ على مذهبه قدسسره لا يجري الاستصحاب المذكور ـ كما سيأتي في أصل البراءة ـ ولعلّ المصنّف رحمهالله أراد من استصحاب البراءة الاستصحابات النافية للتكليف المثبتة للإباحة.