الثاني : هل القطع الحاصل من المقدّمات العقلية حجّة؟
إنّك قد عرفت أنّه لا فرق فيما يكون العلم فيه كاشفا محضا بين أسباب العلم ، وينسب إلى غير واحد من أصحابنا الأخباريّين عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة القطعيّة غير الضروريّة ، لكثرة وقوع الاشتباه والغلط فيها ، فلا يمكن الركون إلى شيء منها.
____________________________________
(الثاني ... إنّك قد عرفت).
يعني : قد علمت في بيان الفرق بين القطع الطريقي والموضوعي ، أنّ القطع الطريقي حجّة من دون فرق بين أسبابه وأشخاصه وأزمانه ، ومع ذلك نسب إلى غير واحد من الأخباريين التفصيل في حجّيته باعتبار السبب.
وحاصل هذا التفصيل أن القطع الحاصل من المقدمات الشرعية أو العقلية الضرورية حجّة ، دون الحاصل من المقدّمات العقلية غير الضرورية ، ومن تقييد المقدّمات العقلية بغير الضرورية يظهر أنّ محل النزاع هو المقدمات العقلية غير الضرورية ، فلا نزاع في حجّية القطع الحاصل من المقدمات العقلية الضرورية ، كما لا نزاع في الحاصل من المقدمات الشرعية ، فيكون النزاع في القطع الحاصل من الدليل العقلي النظري دون الحاصل من الدليل العقلي الضروري.
والفرق بينهما أنّ المراد من الدليل العقلي الضروري : ما توافق عليه العقول ، كقبح الظلم وحسن الإحسان.
والمراد من الدليل العقلي النظري : ما اختلفت عليه العقول ، كالدليل العقلي بالنسبة إلى سهو النبي صلىاللهعليهوآله حيث استدل من يقول بامتناعه بأنّه عيب ، واستدل من يقول بإمكانه بأنّه لطف على الامّة لئلّا يستهزئ بعضهم بعضا بالسهو ، وما يمكن أن يكون دليلا للأخباريين هو الوجهان.
(لكثرة وقوع الاشتباه والغلط فيها).
هذا هو الوجه الأول الذي استدل به الأخباريون والوجه الثاني هو الأخبار ، وسيأتي في كلام المصنّف رحمهالله حيث يقول : فإن قلت : لعل نظر هؤلاء في ذلك إلى ما يستفاد من الأخبار ، ثم يذكر الأخبار.