وحينئذ فلو خاض فيها وحصّل القطع بما لا يوافق الحكم الواقعيّ لم يعذر في ذلك ، لتقصيره في مقدّمات التحصيل ، إلّا أنّ الشأن في ثبوت كثرة الخطأ أزيد ممّا يقع في فهم المطالب من الأدلّة الشرعيّة.
وقد عثرت ـ بعد ما ذكرت هذا ـ على كلام يحكى عن المحدّث الأسترآباديّ في فوائده المدنيّة ، قال في عداد ما استدلّ به على انحصار الدليل في غير الضروريّات الدينيّة ، في السماع عن الصادقين عليهمالسلام ، قال : «الدليل التاسع مبنيّ على مقدّمة دقيقة شريفة تفطّنت لها بتوفيق الله تعالى».
وهي أنّ العلوم النظريّة قسمان :
____________________________________
نعم ، لو أغمضنا عن هذه المعارضة ، أو قلنا بعدم كثرة الغلط والاشتباه في المقدمات الشرعية ، كان له وجه لأنّ الدخول في دليل يكثر فيه الغلط والاشتباه مستلزم لتفويت المصالح الواقعية ، وهو قبيح عقلا ومحرّم شرعا.
فعلى هذا(فلو خاض فيها) أي : المقدمات العقلية (وحصّل القطع بما لا يوافق الحكم الواقعي لم يعذر في ذلك لتقصيره في مقدّمات التحصيل).
مثلا : إذا حكم بحلّية شرب التبغ لدليل عقلي كالبراءة العقلية وأصالة الإباحة ، وكان في الواقع حراما لم يكن معذورا.
والحاصل لو ثبت ما ذكروه من كثرة الغلط في المقدمات العقلية دون الشرعية فله وجه ، إلّا أنّ كثرة الخطأ في المقدمات العقلية لم تثبت ، ويمكن أن يكون مرادهم من عدم جواز الاعتماد على القطع الحاصل من المقدمات العقلية عدم حصول القطع منها ، فلا يحصل منها الّا الظن المشتبه بالقطع عند المدّعي ، فيتخيل أنه قطع فيرجع النزاع إلى الصغرى ـ أي حصول القطع ـ لا إلى الكبرى يعني حجّية هذا القطع.
والإشكال فيه أنّه مخالف للوجدان ، إذ حصول القطع من المقدّمات العقلية بديهي.
(وهي أنّ العلوم النظرية).
يتضح ما هو المراد من العلوم النظرية في كلام المحدث الأسترآبادي بعد التعرف بما يطلق عليه العلم النظري ، فنقول :
إنّ العلم النظري قد يطلق على ما يحتاج إلى النظر والاستدلال كالعلم بكون العالم