«فإن قلت : لا فرق في ذلك بين العقليّات والشرعيّات ، والشاهد على ذلك ما نشاهد من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع في اصول الدين وفي الفروع الفقهيّة.
قلت : إنّما نشأ ذلك من ضمّ مقدّمة عقليّة باطلة بالمقدّمة النقليّة الظّنية أو القطعيّة ، ومن الموضّحات لما ذكرناه ـ من أنّه ليس في المنطق قانون يعصم عن الخطأ في مادّة الفكر ـ أنّ المشّائين ادّعوا البداهة في أنّ تفريق ماء كوز إلى كوزين إعدام لشخصه وإحداث لشخصين آخرين ، وعلى هذه المقدّمة بنوا إثبات الهيولى ، والاشراقيّين ادّعوا البداهة في أنّه ليس إعداما للشخص الأوّل ، وإنّما انعدمت صفة من صفاته وهو الاتّصال».
ثمّ قال : «إذا عرفت ما مهّدناه من المقدّمة الدقيقة الشريفة ، فنقول : إن تمسّكنا بكلامهم عليهمالسلام فقد عصمنا من الخطأ ، وإن تمسّكنا بغيرهم لم نعصم منه» انتهى كلامه.
والمستفاد من كلامه عدم حجّيّة إدراكات العقل في غير المحسوسات ، وما تكون مبادئه قريبة من الاحساس إذا لم تتوافق عليه العقول.
____________________________________
وجعل تفريقهما إلى الأنبياء ، هو أنّ بيان الحق منحصر بالأنبياء ، ثم الأوصياء ، فيجب علينا أن نأخذ الأحكام منهم ، وكل حكم وصل إلينا منهم يكون حقا ، والّا فلا ، فالحكم المستفاد من المقدمات العقلية لا يعلم أنه حقّ وإن حصل لنا القطع به.
(فإن قلت : لا فرق في ذلك).
أي : كثرة الخطأ بين المقدمات العقلية والشرعية ، فالخطأ كما يقع في المقدمات العقلية كذلك يقع في المقدمات الشرعية ، والشاهد على ذلك ما نشاهد من الاختلافات بين الفقهاء ، حيث يفتي بعض منهم بوجوب الجمعة ، ويفتي الآخر بحرمتها مع أنّا نعلم بخطإ أحد الحكمين فلا فرق بين المقدمات العقلية والشرعية.
(قلت : إنّما نشأ ذلك).
أي : الاختلاف من جهة انضمام المقدمة العقلية الباطلة بالمقدمة النقلية الظنية ، أو القطعية ، فيرجع منشأ الاختلاف إلى انضمام حكم العقل ، وعدم الاكتفاء بالنقل فيجب أن نرفع اليد من حكم العقل ، إذ الخطأ يكون ناشئا منه.
(ومن الموضّحات) لما ذكره المحدّث فيما تقدم من أنّه ليس في المنطق قاعدة تعصم من الخطأ في المادة ، اختلاف المشّائين والإشراقيين في أنّ تفرّق ماء كوز إلى كوزين هل