لكن هذا لا يتأتّى في العقل البديهيّ من قبيل : الواحد نصف الاثنين ، ولا في الفطريّ الخالي عن شوائب الأوهام ، فلا بدّ في مواردهما من التزام عدم حصول القطع من النقل على خلافه ، لأنّ الأدلّة القطعيّة النظريّة في النقليّات مضبوطة محصورة ، ليس فيها شيء يصادم العقل البديهيّ أو الفطريّ.
فإن قلت : لعلّ نظر هؤلاء في ذلك إلى ما يستفاد من الأخبار ، مثل قولهم عليهمالسلام : (حرام
____________________________________
المعلول عن العلّة ، واختلف الحكماء وأهل الشرائع في حدوث العالم زمانا ولا خلاف بينهم في حدوث العالم ذاتا.
والمراد من الحادث الزماني : أن الحادث يكون مسبوقا بالعدم في زمان ما.
ثم المراد من القديم الزماني : ما لم يكن وجوده مسبوقا بالعدم في زمان ما.
والمراد من الحادث الذاتي : هو أن الحادث يكون مسبوقا بالعدم ، أو بالغير من دون تقييد بالزمان.
ثم المراد من القديم الذاتي : ما لم يكن وجوده مسبوقا بالعدم ، أو بالغير بل يقتضي بذاته الوجود.
فالحدوث الذاتي أعمّ من الزماني ، فكل ما يكون حادثا زمانا يكون حادثا ذاتا وبعض ما يكون حادثا ذاتا لا يكون حادثا زمانا ، والقديم بالعكس ، فيكون القديم الزماني أعمّ من الذاتي كما هو واضح.
وقام الإجماع من الشرائع على كون العالم حادثا زمانا ، يعني : كان الله ولم يكن معه شيء ، فلا يصغى إلى ما ذهب إليه الحكماء من القول بحدوث العالم ذاتا وما استدلوا به ليس الّا شبهة في مقابل البداهة ، فهو صورة برهان وفي الحقيقة ليس ببرهان لكذب الكبرى فيما ذكروه من : كل أثر للقديم قديم ، لأنّا كلّنا أثر للقديم ، ولسنا بقدماء بالوجدان والضرورة ، فما ذكروه برهان صورة وشبهة حقيقة.
(لكن هذا) أي : التعارض إنّما يحصل في غير الفطري ، والبديهي كما تقدّم (لا يتأتّى) في البديهي ، والفطري ، إذ لا يحصل القطع على الخلاف من الدليل النقلي ، بل لا يتأتّى في مطلق العقل القطعي ، إذ يمتنع حصول القطع بالمتنافيين كما تقدّم ذكره.
(فإن قلت : لعل نظر هؤلاء في ذلك إلى ما يستفاد من الأخبار).