إدراك نفس الأحكام موجب للوقوع في الخطأ كثيرا في نفس الأمر ، وإن لم يحتمل ذلك عند المدرك ، كما تدل عليه الأخبار الكثيرة الواردة بمضمون : (إنّ دين الله لا يصاب بالعقول) (١) و (إنّه لا شيء أبعد عن دين الله من عقول النّاس) (٢).
وأوضح من ذلك كلّه رواية أبان بن تغلب عن الصادق عليهالسلام قال : قلت له : رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة ، كم فيها من الدّية؟. قال : (عشر من الإبل) قال : قلت : قطع إصبعين؟ قال : (عشرون) قلت : قطع ثلاثا ، قال : (ثلاثون) قلت : قطع أربعا ، قال : (عشرون) قلت :
____________________________________
(نعم ، الانصاف أنّ الركون إلى العقل فيما يتعلّق بادراك مناطات الأحكام ... إلى آخره).
هذا تفصيل من المصنّف رحمهالله بين حكم العقل في مناطات الأحكام فليس بحجّة ، وبين حكمه في نفس الأحكام الشرعية كوجوب ردّ الوديعة فيكون حجّة ، وهذا التفصيل يكون غير التفصيل المتقدّم في كلام الأخباريين.
وحاصل هذا التفصيل أنّ الاعتماد على العقل في قبال الشرع لا يجوز فيما يتعلّق بإدراك مناط الحكم بالترديد والدوران ، مثل أن يقال : إن علّة حرمة الخمر في قول الشارع : الخمر حرام ، إمّا هو الإسكار أو الميعان أو اللون المخصوص ، ثم يقال إن العلّة هي الإسكار لا الميعان واللون المخصوص لوجودهما في الدبس والماء المباحين شرعا ، ثم يتعدّى من مورد النصّ إلى غيره ، ويقال بحرمة كل ما هو مسكر.
ثم استدل المصنّف رحمهالله على هذا التفصيل بالوجهين :
الوجه الأول : هو أن الركون إلى العقل فيما يتعلّق بإدراك مناط الحكم موجب للوقوع في الخطأ كثيرا.
والوجه الثاني : هو الأخبار ، حيث قال : (كما تدلّ عليه) أي : على عدم جواز الاعتماد على العقل لتنقيح المناط الأخبار الكثيرة.
وأوضح من الجميع رواية أبان بن تغلب عن الصادق عليهالسلام قال : قلت : رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها من الدية؟ قال : (عشر من الإبل) قال : قلت : اصبعين؟ قال عليهالسلام : (عشرون) قلت : قطع ثلاثا؟ قال : (ثلاثون) قلت : قطع أربعا؟ قال : (عشرون)
__________________
(١) كمال الدين : ٣٢٤ / ٩.
(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٣ / ٨ ، الوسائل ٢٧ : ٢٠٤ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٣ ، ح ٧٤ ، بتفاوت.