فلا يصلح الأوّل للعلّيّة ، وإلّا لوجب الاستناد إليه ، إذ التعليل بالذاتيّ الصالح للعلّية أولى من التعليل بالعرضي ؛ لحصوله قبل حصول العرضي ، فيكون الحكم قد حصل قبل حصول العرضي ، وإذا لم يجب التثبّت عند إخبار العدل ، فأمّا أن يجب القبول وهو المطلوب ، أو الردّ ، فيكون حاله أسوأ من حال الفاسق ، وهو محال.
أقول : الظاهر أنّ أخذهم للمقدّمة الأخيرة ـ وهي أنّه إذا لم يجب التثبت وجب القبول ، لأنّ الردّ مستلزم لكون العادل أسوأ حالا من الفاسق ـ مبني على ما يتراءى من ظهور الأمر بالتبيّن في الوجوب النفسي ، فيكون هنا أمور ثلاثة : الفحص عن الصدق والكذب ، والرّد من دون تبيّن ، والقبول كذلك.
____________________________________
محال وباطل ، وذلك لأنّ الذاتي ومعلوله متقدم على العرضي ومعلوله.
وحينئذ ، لمّا كان التثبّت معلولا للذاتي ، كان متقدما على العرضي ، فلو كان مع ذلك معلولا للعرضي ـ أيضا ـ لوجب أن يكون متأخرا عنه ، فيلزم المحذور المزبور كما لا يخفى.
والحاصل أنّ وجوب التبيّن يكون معلولا للثاني ، أي : الوصف العرضي فقط فلا يصلح الأول ، أي : الوصف الذاتي للعلّية ، وإلّا لوجب استناد المعلول إليه ، فكان الحقّ أن يقال : إن جاءكم واحد بنبإ فتبيّنوا(إذ التعليل بالذاتي الصالح للعلّية أولى) ، أي : متعيّن منه بالعرضي.
فالنتيجة هي أنّ العلّة منحصرة في الفسق ، فإذا انتفى ينتفي وجوب التبيّن ، فيقبل خبر العادل من دون تبيّن وهو المطلوب ، ومن هنا يصحّ أن يسمّى هذا الاستدلال استدلالا بمفهوم العلّة أيضا.
وقوله : (أقول : الظاهر أنّ أخذهم للمقدّمة الأخيرة ... إلى آخره) إشكال منه قدسسره على كيفية الاستدلال بمفهوم الآية ، بعد تسليم دلالتها على المقصود ، حيث كان الاستدلال بالمفهوم محتاجا إلى مقدمة خارجية ، وهي لزوم كون العادل أسوأ حالا من الفاسق لو لم يقبل خبره من دون تبيّن.
فحاصل كلام المصنّف رحمهالله ردا لكيفية الاستدلال ، هو عدم الحاجة إلى ضمّ المقدمّة المذكورة في الاستدلال بمفهوم الآية على حجّية خبر العادل ، وذلك أنّ أخذهم للمقدمة الخارجية مبنيّ على كون الأمر بالتبيّن ظاهرا في الوجوب النفسي بأن يكون التبيّن واجبا