والذي يكشف عن ذلك أنّه لمّا كان العمل بالقياس محظورا عندهم في الشريعة لم يعملوا به أصلا ، وإذا شذّ واحد منهم وعمل به في بعض المسائل واستعمله على وجه المحاجّة لخصمه وإن لم يكن اعتقاده ، ردّوا قوله وأنكروا عليه ، وتبرءوا من قوله حتى أنّهم يتركون تصانيف من وصفناه ورواياته لمّا كان عاملا بالقياس ، فلو كان العمل بالخبر الواحد جرى بذلك المجرى لوجب فيه ـ أيضا ـ مثل ذلك ، وقد علمنا خلافه.
فإن قيل : كيف تدّعون إجماع الفرقة المحقّة على العمل بخبر الواحد ، والمعلوم من حالها أنّها لا ترى العمل بخبر الواحد ، كما أنّ من المعلوم أنّها لا ترى العمل بالقياس ، فإن جاز ادّعاء أحدهما جاز ادّعاء الآخر؟.
قيل له : المعلوم من حالها الذي لا ينكر أنّهم لا يرون العمل بخبر الواحد الذي يرويه مخالفوهم في الاعتقاد ، ويختصّون بطريقه ، فأمّا ما كان رواته منهم وطريقه أصحابهم ، فقد بيّنا أنّ المعلوم خلاف ذلك ، وبيّنا الفرق بين ذلك وبين القياس ، وأنّه لو كان معلوما حظر العمل بالخبر الواحد لجرى مجرى العلم بحظر القياس ، وقد علم خلاف ذلك.
فإن قيل : أليس شيوخكم لا يزالون يناظرون خصومهم في أنّ خبر الواحد لا يعمل به ،
____________________________________
فيكون عملهم به كاشفا عن حجّية وتحقّق الإجماع فيه.
(فإن قيل : كيف تدّعون إجماع الفرقة المحقّة على العمل بخبر الواحد ، والمعلوم من حالها أنّها لا ترى العمل بخبر الواحد؟!).
وملخّص ما قيل : إنّ ما يتراءى من الفرقة المحقّة أنّها لا تجيز العمل بخبر الواحد ، كما لا تجيز العمل بالقياس ، فكيف تدّعون إجماعهم على جواز العمل بخبر الواحد؟!.
(قيل له : المعلوم من حالها الذي لا ينكر أنّهم لا يرون العمل بخبر الواحد الذي يرويه مخالفوهم في الاعتقاد).
وملخّص الجواب : إنّا ندّعي إجماع الفرقة على جواز العمل بخبر الواحد الذي يرويه أصحاب الأئمة عليهمالسلام ، وما ذكر في الإشكال هو عدم جواز العمل بخبر الواحد الذي يرويه غير الأصحاب وغير الإمامية ، وما يختصّ المخالفون بطريقه كالخبر الوارد من طريق العامة فقط ، فما ذكر في السؤال لا يضرّ بالإجماع لاختلاف مورد النفي والإثبات ، كما لا يخفى.