وكيف كان ، فقد اورد على الآية إيرادات كثيرة ربّما تبلغ إلى نيّف وعشرين ، إلّا أنّ كثيرا منها قابلة للدفع ، فلنذكر ـ أوّلا ـ ما لا يمكن الذبّ عنه ، ثمّ نتبعه بذكر بعض ما اورد من الإيرادات القابلة للدفع.
أمّا ما لا يمكن الذبّ عنه فإيرادان :
أحدهما : إنّ الاستدلال إن كان راجعا إلى اعتبار مفهوم الوصف ـ أعني الفسق ـ
____________________________________
كون العادل أسوأ حالا ، بل مستلزم لمزيّة كاملة للعادل على الفاسق) ؛ لأنّ التفتيش عن حال شخص نوع من الاستخفاف بشأنه ، بل قد يؤدّي إلى هتكه وافتضاحه من جهة كشف كذبه بين الناس.
(فتأمّل) ، لعلّه إشارة إلى أنّ مزيّة العادل على الفاسق ثابتة لو عمل بخبره ، وأمّا لو لم يعمل به وردّ من الأول فيكون الأمر بالعكس ؛ حيث يلزم من ترك التبيّن وترك العمل بخبر العادل إهانته ومزيّة الفاسق عليه ، إذ قد يكشف صدق خبر الفاسق بالتبيّن ، فيعمل به ولا يعمل بخبر العادل أصلا.
(وكيف كان ، فقد اورد على الآية إيرادات كثيرة ربّما تبلغ إلى نيّف وعشرين) ، أي : فوق العشرين ، ويذكر المصنّف رحمهالله الإيرادات الواردة على الاستدلال بالآية على حجّية خبر العادل ، ثم يقدم ما لا يمكن الجواب عنه لقلّته ، وهو أمران :
(أحدهما : إن الاستدلال إن كان راجعا إلى اعتبار مفهوم الوصف ، أعني الفسق) ، حيث كان مفهوم الوصف في قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)(١) هو : إن جاءكم غير الفاسق فلا تبيّنوا(ففيه : إنّ المحقّق في محلّه عدم اعتبار المفهوم في الوصف) ، ويمكن أن يكون مراده من عدم اعتبار مفهوم الوصف عدم ثبوت المفهوم لا عدم اعتباره مع ثبوته ، وإلّا فلا فرق بين الظهور المنطوقي والمفهومي في الاعتبار والحجّية.
فيرجع كلام الاصوليين في باب المفاهيم إلى الصغرى ، أي : ثبوت المفاهيم ، لا إلى الكبرى ، أي : حجّيتها بعد تحقّقها ، نعم تسامحوا في التعبير ، حيث عبّروا عن عدم الثبوت بعدم الاعتبار.
__________________
(١) الحجرات : ٦.