وقد عرفت أنّ القطع حجّة في نفسه لا بجعل جاعل ، والظن يمكن أن يعتبر في متعلّقه ، لكونه كشفا ظنيا ومرآة لمتعلّقه. لكنّ العمل به والاعتماد عليه في الشرعيّات موقوف على وقوع التعبّد به ، وهو غير واقع إلّا في الجملة ، وقد ذكرنا موارد وقوعه في الأحكام الشرعية في الجزء الأوّل من هذا الكتاب.
____________________________________
إلى التكليف الشرعي ، وإلّا لم يكن مكلّفا أصلا.
فإنّه يقال : إن الالتفات على قسمين :
الأول : هو الالتفات إلى أصل التكليف مقابل الغفلة عنه أصلا.
والثاني : هو الالتفات إلى ثبوت الحكم لكلّ موضوع من الموضوعات بعد علمه بأصل التكليف إجمالا.
والمراد منه في المقام هو القسم الثاني لا الأول ، وبذلك يخرج ذكر قيد الالتفات عن اللغوية ، فتأمّل تعرف.
(وقد عرفت أن القطع حجّة في نفسه لا بجعل جاعل).
قد تقدم في بحث القطع أنه حجّة بذاته ، وأنه لا يقبل الجعل نفيا وإثباتا بخلاف الظن ، إذ أنّه ممّا يمكن أن يجعله الشارع حجّة ، وذلك لمكان كشفه الواقع كشفا ظنّيا ناقصا ، الذي يقترن باحتمال مخالفة الواقع ، فيجعله الشارع حجّة بتنزيله منزلة القطع وذلك بإلغاء احتمال مخالفته للواقع ، وبذلك يكون اعتباره بجعل من الشارع لا بالذات ، وقد تقدم أنّه قد وقع التعبّد به من قبل الشارع في الجملة ، وقد تقدم تفصيل موارد التعبّد به في بحث الظن.
وأمّا الشك فلا يعقل اعتباره حتى بالجعل ، وذلك لعدم وجود جهة كاشفة فيه عن الواقع أصلا ، فكيف يعقل للشارع أن يجعله حجّة ، بأن يأمر المكلّف بالجري على العمل به مع كونه في حالة من التحيّر والترديد ، إذ لا يرى شيئا من الواقع حتى يأتي به؟!
فمثل الحجّية للقطع والظن والشك مثل الوجود للواجب والممكن والممتنع حيث تكون حجّية القطع بالذات ، كوجود الواجب بذاته لذاته.
بينما تكون حجّية الظن بالجعل ، كوجود الممكن حيث يكون بالعلّة ، وأمّا حجّية الشك فممتنعة كامتناع وجود المحال بالذات ، فتأمّل جيدا.