بين كون حكم شرب التتن المشكوك حكمه هي الإباحة وبين كون حكم شرب التتن في نفسه مع قطع النظر عن الشك فيه هي الحرمة؟!
فإذا علمنا بالثاني لكونه علميّا ونفرض سلامته عن معارضة الأوّل ، خرج شرب التتن عن موضوع دليل الأوّل ، وهو كونه مشكوك الحكم ، لا عن حكمه حتى يلتزم فيه تخصيص وطرح لظاهره.
____________________________________
كان الدليل الظني المخالف لها واردا عليها ، لارتفاع موضوعها به ، وحينئذ إذا دلّ خبر الثقة على حرمة شرب التتن ، وكان مقتضى الأصل هو الحليّة كان تقديمه عليه من باب الورود ، لأنّ موضوع الأصل وهو كون شرب التتن مشكوك الحكم قد ارتفع بقيام الدليل على الحرمة.
إذ ليس شرب التتن بعد قيام الدليل على الحرمة مشكوك الحكم ـ كما لا يخفى ـ فحينئذ لا يبقى تعارض بين الدليل والأصل.
إذ التعارض بين الدليلين فرع لتحقّقهما وثبوتهما ، وقد انعدم الأصل في المقام ، بارتفاع موضوعه بالدليل ، فلا يبقى أصل حتى يكون معارضا له ، وقد أشار إلى هذا بقوله : (فلا معارضة بينهما).
ثمّ إن عدم المعارضة بين الدليلين يمكن أن يكون لأجل انتفاء أحدهما ، ويمكن أن يكون لأجل تعدّد موضوعهما ، إذ المعارضة مشروطة بأمرين :
أحدهما : ثبوت الدليلين.
وثانيهما : وحدتهما موضوعا ، فتنتفي بانتفاء أحدهما ، كما تنتفي بانتفاء كليهما.
وعدم المعارضة في المقام هو لانتفاء كلا الأمرين ، وقد تقدم انتفاء الأصل بالدليل ، فلم يكن الدليلان ثابتين ، وهكذا لم يكن موضوعهما متّحدا ، لأن موضوع الدليل في المثال المتقدم هو نفس شرب التتن مجردا عن أيّ قيد ولحاظ فيه.
وموضوع الأصل هو شرب التتن المشكوك حكمه الواقعي ، فيتعدّد موضوعهما ، ثمّ تنتفي المعارضة بتعدّد الموضوع ، ومنه يظهر أن المراد من قوله : (فلا معارضة بينهما) أي : بين الأصل والدليل ، ليس لعدم اتحاد الموضوع فقط ، بل للوجهين معا كما تقدم.
وهذا التوجيه والشرح كما في شرح الاعتمادي يكون مبنيا على أن يكون موضوع