فإمّا أن يراد بالموصول المال ، بقرينة قوله تعالى قبل ذلك : (مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) فالمعنى : إنّ الله سبحانه لا يكلّف العبد إلّا دفع ما اعطي من المال.
وإمّا أن يراد نفس فعل الشيء أو تركه ، بقرينة إيقاع التكليف عليه ، فإعطاؤه كناية عن الإقدار عليه ، فتدلّ على نفي التكليف بغير المقدور ، كما ذكره الطبرسي رحمهالله. وهذا المعنى أظهر وأشمل ؛ لأنّ الإنفاق من الميسور داخل في ما آتاه الله.
____________________________________
ومنها : أن يكون المراد به المال بقرينة قوله تعالى قبل ذلك : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) أي : ضيّق عليه رزقه (فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)(١).
ومقتضى وحدة السياق ورعاية التناسب بين هذه الآية وما قبلها هو أن يكون المراد بالموصول : المال ، وبالايتاء : الاعطاء ، فيكون معنى الآية حينئذ : لا يكلّف الله عبده إلّا دفع مال أعطاه ، وتقدير الدفع قبل المال ؛ لأنّ المال يكون من الأعيان الخارجية لا يتعلّق بها التكليف ، إذ التكليف يتعلّق بالأفعال ، وحينئذ تكون الآية الشريفة أجنبية عن المقام كما لا يخفى.
ومنها : أن يكون المراد بالموصول مطلق ما يصدر من المكلّف من فعل أو ترك بقرينة إيقاع التكليف عليه ، والتكليف لا يقع ولا يتعلّق إلّا بما يصدر عن المكلّف ، وحينئذ يكون الإيتاء كناية عن الإقدار على ما صدر عن المكلّف ، فيكون معنى الآية : إنّ الله تعالى لا يكلّف العبد بفعل شيء أو تركه إلّا ما أقدره عليه ، وبذلك تكون الآية أجنبية عن المقام كالاحتمال الثاني ؛ لأنّها تدل على نفي التكليف بغير المقدور ، ولا تدل على نفيه من دون البيان.
ثمّ إن المصنّف قدسسره يقول : (وهذا المعنى أظهر ، وأشمل).
أي : إن المعنى الثاني في كلامه أظهر من المعنى الأول لعدم احتياجه إلى التقدير ، وأشمل منه لشموله المعنى الأول كما هو واضح في المتن.
ومنها : أن يكون المراد بالموصول ما هو الجامع بين المعاني المذكورة ، وبالإيتاء ما هو
__________________
(١) الطلاق : ٧.