لكنّها لا تنفع في المطلب ، لأن نفس المعرفة بالله غير مقدور قبل تعريف الله سبحانه ، فلا يحتاج دخولها في الآية إلى إرادة الإعلام من الإيتاء في الآية. وسيجيء زيادة توضيح لذلك في ذكر الدليل العقلي إن شاء الله تعالى.
وممّا ذكرنا يظهر حال التمسّك بقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(١).
ومنها : قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(٢).
____________________________________
المذكورتين ، فيعلم من استشهاده بالآيتين على نفي التكليف بالمعرفة من دون البيان أنّ المراد بالموصول هو التكليف ، فيكون معنى الآية ـ حينئذ ـ لا يكلّف الله نفسا إلّا تكليفا بيّنه لها ، سواء كان التكليف متعلّقا بالامور الاعتقادية كمعرفة الله تعالى كما في مورد الرواية أو بالأفعال كما في المقام.
ثمّ أجاب المصنّف قدسسره عن هذا التأييد بقوله : (لكنّها لا تنفع في المطلب).
أي : ما ورد في الرواية لا ينفع في إثبات المطلب ، وهو نفي التكليف من دون البيان ، بل ما ورد فيها يناسب المعنى الثالث للموصول ، وهو نفي التكليف بغير المقدور ، لأنّ نفس المعرفة بالله تعالى غير مقدور قبل البيان وقبل تعريف الله تعالى ، فلا يكون استشهاد الإمام عليهالسلام بالآية دليلا على نفي التكليف من دون بيان ، بل يكون دليلا على نفي التكليف بغير المقدور ، ويكون المراد من الإيتاء الإقدار.
(وممّا ذكر يظهر حال التمسّك بقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)).
إذ هذه الآية نصّ في نفي التكليف بغير المقدور ، فلا ترتبط بالمقام أصلا ، لأنّ ترك محتمل الحرمة مقدور ، فلا يكون مشمولا للآية.
(ومنها قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)).
وملخص تقريب الاستدلال بهذه الآية على البراءة هو أنه تعالى قد أخبر بعدم التعذيب والعقاب قبل بعث الرسل وإتمام الحجّة ، فبعث الرسل كناية عن بيان الأحكام وإيصالها إلى المكلّفين ، فيكون معنى الآية : أنّه تعالى لا يؤاخذهم على مخالفة التكليف المجهول غير الواصل إليهم ، فتدلّ على رفع العقاب في مورد الجهل بالتكليف الإلزامي وهو المطلوب
__________________
(١) البقرة : ٢٨٦.
(٢) الإسراء : ١٥.