فلو جعل المقدّر في كلّ من هذه التسعة ما هو المناسب من أثره ، أمكن أن يقال : إنّ أثر حرمة شرب التتن المؤاخذة على فعله فهي مرفوعة ، لكنّ الظاهر بناء على تقدير المؤاخذة نسبة المؤاخذة إلى نفس المذكورات.
والحاصل أنّ المقدّر في الرواية ، باعتبار دلالة الاقتضاء ، يحتمل أن يكون جميع الآثار في كلّ واحد من التسعة ، وهو الأقرب اعتبارا إلى المعنى الحقيقي ، وأن يكون في كلّ منها ما هو الأثر الظاهر فيه ، وأن تقدّر المؤاخذة في الكلّ.
وهذا أقرب عرفا من الأول وأظهر من الثاني أيضا ، لأنّ الظاهر أنّ نسبة الرفع إلى مجموع التسعة على نسق واحد ، فإذا اريد من الخطأ والنسيان وما اكرهوا عليه وما اضطرّوا ، المؤاخذة على أنفسها ، كان الظاهر في (ما لا يعلمون) ذلك أيضا.
____________________________________
والاحتمال الثاني : هو أن يكون المقدّر المرفوع في كل واحد منه ما هو الأثر الظاهر فيه.
والاحتمال الثالث : هو أن يكون المقدّر المرفوع هو المؤاخذة في كل واحد منها.
والصحيح من هذه الاحتمالات الثلاث هو الاحتمال الثالث فقط ؛ وذلك لأنّ الاحتمال الأول وهو رفع جميع الآثار مخالف للضرورة والوجدان ، وذلك لوجود بعض الآثار الثابتة لهذه الامور شرعا فلا يصح الأخذ به.
والاحتمال الثاني ينافي وحدة الإسناد ؛ لأنّ الأثر الظاهر في كل واحد منها يختلف عن الأثر الظاهر في الآخر ، فلا يمكن الالتزام به أيضا ؛ وذلك لأنّ الأخذ به مستلزم لأن يكون إسناد الرفع في كل واحد منه غير إسناده في الآخر ، مع أنّ ظاهر الرواية هو إسناد الرفع إلى التسعة لتكون على نسق واحد.
وحينئذ لا بدّ من أن نأخذ بالاحتمال الثالث ، ونقول :
إنّ المرفوع في الكلّ هو المؤاخذة على هذه الامور أنفسها ، وحينئذ يجب أن يكون المراد بالموصول في (ما لا يعلمون) هو الفعل غير المعلوم حتى يكون المرفوع هو المؤاخذة على نفس الفعل كأخواته ، وأمّا لو كان المراد منه الحكم ـ أي : الحرمة مثلا ـ لم تكن المؤاخذة على نفس الحرمة ، بل لا يعقل أن يكون العقاب على نفس الحرمة ؛ وذلك لأنّ المؤاخذة انما تصح على شرب ما هو محرّم وهو فعل المكلّف لا على الجعل والتكليف ، فتأمّل جيدا.