فالرفع هنا نظير رفع الحرج في الشريعة ، وحينئذ فإذا فرضنا أنّه لا يقبح في العقل أنّ يوجد التكليف بشرب الخمر على وجه يشمل صورة الشكّ فيه ، فلم يفعل ذلك ، ولم يوجب تحصيل العلم ولو بالاحتياط ، ووجّه التكليف على وجه يختصّ بالعالم تسهيلا على المكلّف كفى في صدق الرفع.
وهكذا الكلام في الخطأ والنسيان ، فلا يشترط في تحقّق الرفع وجود دليل يثبت التكليف في حال العمد وغيره.
نعم ، لو قبح عقلا المؤاخذة على الترك ـ كما في الغافل غير المتمكّن من الاحتياط ـ لم يكن في حقّه رفع أصلا ، إذ ليس من شأنه أن يوجّه إليه التكليف.
____________________________________
بمعنى أنّه لم يوجّه تحريم الميتة إلى المضطر مع وجود المقتضي ، ومثال ما لم يكن هناك دليل مثبت له على المكلف كقوله عليهالسلام : (من أفطر صوم رمضان متعمدا فعليه الكفّارة) (١) حيث لا يدل على وجوب الكفّارة على الخاطئ والناسي ، إلّا إنّ المصلحة الواقعية تقتضي وجوبها حتى على من شقّ عليه الصوم ، كالناسي والخاطئ ولو بجعل إيجاب التحفّظ عليهما ، إلّا إنّ الشارع رفع وجوبه عن غير العامد ، وخصّ الوجوب بالعامد من الأول ، وكان الرفع بمعنى عدم توجّه التكليف إلى غير العامد ، فيكفي في صدق الرفع عدم توجّه التكليف إلى غير العامد مع وجود المقتضي للتكليف بإيجاب التحفّظ عليه.
وهكذا التكليف بتحريم شرب الخمر يشمل العالم والجاهل من حيث الدليل ، كقوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ)(٢) حيث يكون شاملا للجاهل أيضا ، إلّا إنّه تعالى رفع التكليف عن الشاك بعدم إيجاب الاحتياط الموجب لتحريم الخمر على الشاك مع وجود المقتضي ، فيختصّ تحريم الخمر بالعالم ، وهكذا رفع تحريم الخمر عن الناسي والخاطئ مع أنّ المفسدة الواقعية تقتضي حرمة الخمر عليهما بواسطة إيجاب التحفّظ ، فيكفي في صدق الرفع عدم توجّه التكليف بواسطة إيجاب التحفّظ مع وجود المقتضي.
(نعم ، لو قبح عقلا المؤاخذة على الترك ـ كما في الغافل غير المتمكّن من الاحتياط ـ لم
__________________
(١) انظر الوسائل ١٠ : ٤٤ ـ ٤٥ ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ب ٨ ، ح ١.
(٢) المائدة : ٩٠.