المؤاخذة على الحسد مع مخالفته لظاهر الأخبار الكثيرة. ويمكن حمله على ما لم يظهر الحاسد أثره باللسان أو غيره ، بجعل عدم النطق باللسان قيدا له أيضا.
ويؤيّده تأخير الحسد عن الكلّ في مرفوعة النهدي عن أبي عبد الله عليهالسلام ، المرويّة في أواخر أبواب الكفر والإيمان من اصول الكافي ، قال : (قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وضع عن أمّتي تسعة أشياء : الخطأ ، والنسيان ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا إليه ، وما استكرهوا عليه والطّيرة والوسوسة في التفكّر في الخلق ، والحسد ما لم يظهر بلسان أو بيد) (١) ، الحديث.
ولعلّ الاقتصار في النبوي الأوّل على قوله : (ما لم ينطق) لكونه أدنى مراتب الإظهار.
وروي : (ثلاثة لا يسلم منها أحد ، الطّيرة والحسد والظنّ). قيل : فما نصنع؟ قال : (إذا
____________________________________
لم يظهره ، وذلك لإطلاق لفظ الحسد في النبوي ، فيكون معنى الحديث ـ حينئذ ـ أنّ الحسد كان حراما على الامم السابقة مطلقا ، وارتفعت حرمته أو المؤاخذة عليه عن هذه الامة مطلقا ، وهذا المعنى الذي كان لفظ الحسد ظاهرا فيه مخالف لظاهر الأخبار الكثيرة الدالة على الحرمة والمؤاخذة مطلقا ، فيكون إطلاق رفع أثر الحسد في النبوي معارضا للأخبار الكثيرة.
وقد أشار المصنّف قدسسره إلى رفع هذا التعارض بقوله :
(ويمكن حمله على ما لم يظهر الحاسد أثره باللسان أو غيره ، بجعل عدم النطق باللسان قيدا له أيضا).
وملخّص الجمع بينهما هو حمل الأخبار الدالة على الحرمة والمؤاخذة على صورة إظهار الحسد ، وحمل النبوي على صورة عدم الإظهار ، ثم إن هذا التقييد في إطلاق الحسد في النبوي يمكن بملاحظة جعل عدم النطق باللسان المذكور فى آخر الامور المذكورة فيه قيدا للحسد أيضا ، أي : كما هو قيد للوسوسة في التفكّر في الخلق قطعا ، فيكون مفاد الحديث ـ حينئذ ـ هو أنّ الحسد كان حراما على الامم السابقة ، فارتفعت حرمته عن هذه الامّة منّة وتفضّلا من الله تعالى ، أو ارتفع عقابه ما لم يظهره الحاسد باللسان.
(ويؤيّده تأخير الحسد عن الكل في مرفوعة النهدي ... إلى آخره).
__________________
(١) الكافي ٢ : ٤٦٣ / ٢. الوسائل ١٥ : ٣٧٠ ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ب ٥٦ ، ح ٣ ، بتفاوت يسير فيهما.