دليل العقل على البراءة
الرابع من الأدلّة : حكم العقل بقبح العقاب على شيء من دون بيان التكليف.
ويشهد له حكم العقلاء كافّة بقبح مؤاخذة المولى عبده على فعل ما يعترف بعدم إعلامه ـ أصلا ـ بتحريمه.
ودعوى : «إنّ حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان عقليّ ، فلا يقبح بعده المؤاخذة».
____________________________________
و (الرابع من الأدلّة : حكم العقل بقبح العقاب على شيء من دون بيان التكليف).
وتقريب حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان يتّضح بعد ذكر مقدّمة مشتملة على أمرين :
أحدهما : إنّ قبح العقاب بلا بيان إنّما يكون دليلا على البراءة على القول بالقبح والحسن العقليين كما عليه العدليّة ، وأمّا على قول الأشاعرة الذين لا يقولون بهما فلا يكون دليلا على المطلب ، إذ لا قبح حتى يحكم به العقل.
وثانيهما : إنّ المراد بالبيان هو البيان الواصل إلى المكلّف لا مطلق البيان ، فحينئذ يكون موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان هو عدم البيان الواصل إلى المكلّف ، لا عدم البيان الواقعي ؛ لأنّ البيان الواقعي لا تأثير له في تحريك المكلّف نحو امتثال التكليف ، ولا يتمّ به الحجّة عليه إذ حاله حال العدم ، فإنّ الانبعاث نحو عمل أو الانزجار عنه إنّما هو من آثار التكليف الواصل.
وبهذا يتّضح لك حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان واصل إلى المكلّف بعد فحصه موارد وجود التكليف فحصا كاملا وعدم وجدانه دليلا عليه ، فيكون ـ حينئذ ـ معذورا عند العقل في عدم امتثال التكليف المجهول ؛ لأنّ فوت التكليف ـ حينئذ ـ مستند إلى عدم البيان الواصل إليه من قبل المولى ، لا إلى تقصير من المكلّف.
(ودعوى : «إن حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان عقلي ، فلا يقبح بعده المؤاخذة ...» مدفوعة ... إلى آخره).
ولتوضيح ذلك أقول : إن العقل كما يحكم بقبح العقاب بلا بيان ، كذلك يحكم بوجوب