ثمّ إنّه ذكر السيّد أبو المكارم قدسسره في الغنية : «إن التكليف بما لا طريق إلى العلم به تكليف بما لا يطاق». وتبعه بعض من تأخّر عنه فاستدلّ به في مسألة البراءة.
والظاهر أنّ المراد به ما لا يطاق الامتثال به وإتيانه بقصد الطاعة ، كما صرّح به جماعة
____________________________________
وتقدّم أنّ الشبهة من جهة احتمال الضرر موضوعيّة لا يجب الاحتياط فيها بالاتفاق ، فلا يكون دفع الضرر المحتمل واجبا عند الأخباريين ، كما أنّه لم يكن واجبا عند الاصوليين ، ومع ذلك فلو ثبت وجوب دفع الضرر المحتمل بأن يقال : إن العقل يحكم مستقلا بوجوب دفع الضرر المحتمل كالضرر المقطوع ، كما أنّه يحكم بوجوب دفع العقاب المحتمل كالمقطوع لكان هذا الإشكال مشترك الورود.
ويرد على الأخباريين ـ أيضا ـ كما يرد على الاصوليين (فلا بدّ على كلا القولين) إمّا منع وجوب دفع الضرر المحتمل عقلا ، وإمّا من دعوى ترخيص الشارع وإذنه بارتكاب الضرر المحتمل فيما شكّ في كونه من مصاديق الضرر ، بمعنى : إنّ حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل وإن كان ثابتا ، إلّا إنّ الشارع قد أذن بارتكاب الشبهات الموضوعيّة مع احتمال الضرر فيها ، فينكشف من إذن الشارع أنّ الضرر يتدارك بمصلحة في الترخيص ، ووجوب دفع الضرر المحتمل بحكم العقل يختصّ بما لا يتدارك ، فتأمّل جيدا.
(ثمّ إنّه ذكر السيّد أبو المكارم قدسسره في الغنية : إن التكليف بما لا طريق إلى العلم به تكليف بما لا يطاق ... إلى آخره).
ذكر السيّد في كتاب الغنية دليلا عقليا آخر على البراءة ، وتبعه بعض من تأخّر عنه كالمحقّق وغيره ، وتقريب ما ذكره من الدليل العقلي الآخر يحتاج إلى مقدمة وهي :
إن التكليف بما لا يطاق قبيح عقلا ، فلا يجوز صدوره عن عاقل فضلا عن الشارع الحكيم ، والتكليف بما لا طريق إلى العلم به للمكلف تكليف بما لا يطاق فلا يجوز عقلا.
إذا عرفت هذه المقدمة ، فنقول : إن حرمة شرب التتن ممّا لا طريق إلى العلم به للمكلّف ؛ لأنّ المفروض هو عدم الدليل الدال على الحرمة ، فيكون التكليف بالاجتناب عنه تكليفا بما لا يطاق ، وهو لا يجوز عقلا ، فتكون النتيجة ـ حينئذ ـ إباحة شرب التتن.
قوله : (والظاهر أنّ المراد به ما لا يطاق الامتثال به وإتيانه بقصد الطاعة).
دفع لما يقال من أن الاجتناب عن شرب التتن مقدور للجاهل ، فلا يلزم من وجوب