أدلة أخرى على البراءة
وقد يستدلّ على البراءة بوجوه غير ناهضة :
منها : استصحاب البراءة المتيقّنة حال الصغر والجنون.
وفيه : إن الاستدلال به مبنيّ على اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ ، فيدخل أصل البراءة بذلك في الأمارات الدالّة على الحكم الواقعي دون الاصول المثبتة للأحكام الظاهريّة. وسيجيء عدم اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ إن شاء الله.
وأمّا لو قلنا باعتباره من باب الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشكّ ، فلا ينفع في المقام ،
____________________________________
(منها : استصحاب البراءة المتيقّنة حال الصغر والجنون).
والظاهر من هذه العبارة هو أنّ المراد باستصحاب البراءة : هو استصحاب براءة الذمّة عن التكليف الشرعي.
ويمكن أن يكون المراد به البراءة العقليّة : وهي عبارة عن حكم العقل بعدم استحقاق العقاب على فعل ما شكّ في تحريمه ، أو ترك ما شكّ في وجوبه.
وكيف كان ، يرد فيه :
أوّلا : بأنّ الحكم بحليّة مشكوك الحرمة في الشبهة التحريميّة لا يحتاج إلى الاستصحاب ، بل يكفي فيه مجرد الشكّ في الحرمة ، لأنّ الحكم يترتّب على الشكّ لا على عدم الحرمة ، حتى يحتاج إحرازه إلى استصحاب عدم الحرمة ، أو براءة ذمّة المكلّف عنها.
وثانيا : كما أشار إليه بقوله : (وفيه : إنّ الاستدلال به مبنيّ على اعتبار الاستصحاب من باب الظن).
وحاصل هذا الإيراد الثاني : هو أنّ التمسّك بالاستصحاب المذكور مبنيّ على اعتباره من باب الظنّ ، لأنّ الغرض منه هو إثبات عدم حدوث المشكوك ، فلا بدّ أن يحصل منه الظنّ بعدم الحدوث ، ويكون الاستصحاب ـ حينئذ ـ ناظرا إلى الواقع ، فيكون من الأدلة الاجتهاديّة لا من الاصوليّة العمليّة ، وسيأتي أنّ اعتباره من باب الظن على خلاف التحقيق.
(وأمّا لو قلنا باعتباره من باب الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشكّ فلا ينفع في