الوجه الثاني : إنّ الأصل في الأفعال الغير الضروريّة الحظر ، كما نسب إلى طائفة من الإماميّة ، فيعمل به حتى يثبت من الشرع الإباحة ، ولم ترد الإباحة فيما لا نصّ فيه ،
____________________________________
المثبتة للتكاليف ليس من قبيل لحوق التكليف ، بل هو من قبيل العلم بتكليف سابق عليه ، لأنّها كاشفة عن ثبوت مؤدّياتها من الأوّل ، وحينئذ يجب البناء على أنّ مواردها لم تكن من الأوّل مجرى لأصالة الإباحة ، فتبقى أصالة الإباحة في غير موارد الأمارات سليمة عن المعارض.
فالدليل في المقام وإن كان متأخّرا عن العلم الإجمالي في مقام الإثبات إلّا إنّه متقدّم عليه ثبوتا فيمنع عن تأثير العلم الإجمالي.
ومن هنا ظهر بطلان قياس ما نحن فيه ، بما إذا اضطر المكلف إلى بعض معيّن من أطراف العلم الإجمالي بعد العلم الإجمالي ، حيث لا يمنع الاضطرار عن تأثير العلم الإجمالي في تنجّز التكليف.
ففي المقام ـ أيضا ـ لا يمنع الدليل المتأخّر عن العلم الإجمالي عن تأثيره في تنجّز التكليف ، لأنّ هذا القياس قياس مع الفارق ؛ وذلك لأنّ الاضطرار متأخّر ثبوتا وإثباتا ، بخلاف الدليل في المقام حيث يكون متأخّرا إثباتا فقط فيكون في حكم المقدّم.
والمتحصّل من الجميع أن العلم الإجمالي بحرمة جملة من الأشياء ثابت قبل الرجوع إلى الأدلّة ، وأمّا بعد مراجعتها فليس بثابت ، بل ينحلّ إلى العلم التفصيلي بالمحرّمات في موارد الأدلّة والأمارات والشكّ البدوي في غيرها ، فتجري البراءة في غير موارد الأمارات.
(الوجه الثاني : إنّ الأصل في الأفعال الغير الضرورية الحظر ... إلى آخره).
إنّ القاعدة العقليّة في الأفعال غير الضرورية كالأفعال الاختيارية الصادرة عن الإنسان عادة هي الحظر والمنع عقلا حتى يثبت من الشرع الإذن والإباحة ، والاستدلال بهذا الوجه كالاستدلال بالوجه الأوّل مبنيّ على أن يكون من باب الجدل والإلزام ، وإلّا فالعقل ليس حجّة عند الأخباريّين إلّا فيما إذا كان بديهيّا كما تقدّم التفصيل في باب القطع.
ثمّ إن الاستدلال بهذا الوجه إنّما يتمّ على القول بكون الأصل في الأشياء قبل الشرع هو الحظر أو التوقّف ، وأمّا على القول بأن الأصل في الأشياء هو الإباحة فلا ، وحينئذ لا بدّ من ذكر الأقوال وما استدل به على كل واحد منها ليتضح ما هو الحقّ في هذه المسألة ،