في جميع هذه الصور قبيح على ما صرّح به المحقّق رحمهالله في كلامه السابق ، سواء قلنا : بأنّ وراء الحكم الفعلي حكما آخر يسمّى حكما واقعيّا أو حكما شأنيّا على ما هو مقتضى مذهب المخطّئة ، أم قلنا بأنّه ليس وراءه حكم آخر ، للاتّفاق على أنّ مناط الثواب والعقاب ومدار التكليف هو الحكم الفعلي.
وحينئذ فكلّ ما تتبّع المستنبط في الأدلّة الشرعيّة في نظره إلى أن علم من نفسه عدم تكليفه بأزيد من هذا المقدار من التتبّع ، ولم يجد فيها ما يدلّ على حكم مخالف للأصل ، صحّ له دعوى القطع بانتفاء الحكم الفعلي ، ولا فرق في ذلك بين العامّ البلوى وغيره ، ولا بين العامّة والخاصّة ، ولا بين المخطّئة والمصوّبة ، ولا بين المجتهدين والأخباريّين ، ولا بين أحكام الشرع وغيرها من أحكام سائر الشرائع وسائر الموالي بالنسبة إلى عبيدهم. هذا بالنسبة
____________________________________
ولتوضيح هذه العبارة بصورة أتمّ نرجع إلى ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ـ دامت إفاداته ـ فنقول : إن المراد بالدليل المصحّح للتكليف بحيث لا يلزم مع وجوده تكليف المكلّف بما لا يطاق هو ما تيسّر وتمكّن المكلّف من الوصول إليه بلا مشقّة رافعة للتكليف ، وتمكّن الاستفادة منه بأن تكون دلالته تامّة عنده ، فإذا لم يكن الدليل بهذه الأوصاف على ثبوت التكليف لم يصح التكليف الفعلي من دون فرق بين ما لم يكن في الواقع دليل شأني أصلا ، أو كان ولم يتمكّن المكلّف من الوصول إليه ، أو تمكّن بمشقّة رافعة للتكليف أي : تكليف وجوب الفحص ، أو تمكّن من الوصول إليه من غير مشقّة رافعة للتكليف ، ولكن لم تتم دلالته عند المستدل ، فإنّ الحكم الفعلي وتنجّزه في جميع هذه الصور قبيح عقلا(على ما صرّح به المحقق رحمهالله في كلامه السابق) في الإجماع على البراءة حيث قال : إن أهل الشرائع كافّة لا يخطّئون من بادر إلى تناول شيء من المشتهيات سواء علم الإذن فيها أم لا؟
فالمتحصّل هو عدم صحّة التكليف ، وتنجّزه من غير دليل جامع للشرائط المذكورة ، ومن المعلوم أنّ مجرد وجود التكليف في الواقع لا يكون قبيحا في جميع الصور المذكورة ، وإنّما القبيح هو تنجّز التكليف بغير دليل ، فيرجع مراد المحقّق قدسسره إلى نفي فعليّة الحكم لا إلى نفي الحكم في الواقع ، وذلك للاتّفاق على أنّ مناط الثواب والعقاب ومدار التكليف هو الحكم الفعلي لا الحكم الواقعي ، فحكم العقل يقتضي نفي الحكم الفعلي لا