الثالث : لا إشكال في رجحان الاحتياط عقلا ونقلا ، كما يستفاد من الأخبار المذكورة وغيرها.
وهل الأوامر الشرعيّة للاستحباب فيثاب عليه وإن لم يحصل به الاجتناب عن الحرام الواقعي ، أو غيري بمعنى كونه مطلوبا لأجل التحرّز عن الهلكة المحتملة والاطمئنان بعدم وقوعه فيها ، فيكون الأمر به إرشاديا لا يترتّب على موافقته ومخالفته سوى الخاصيّة المترتّبة على الفعل أو الترك ، نظير أوامر الطبيب ، ونظير الأمر بالإشهاد عند المعاملة لئلّا يقع التنازع؟
____________________________________
المحقّق قدسسره في المعارج.
هذا ملخص ما يظهر من جماعة من كون أصالة البراءة عندهم من الأدلّة الظنيّة ، وقد تقدم بما لا مزيد عليه من أنّ مقتضى أدلّة البراءة هي الإباحة ، بمعنى : عدم المنع شرعا ونفي العقاب بنفي تنجّز التكليف ، وإنّ اعتبارها لم يكن مستندا إلى عدم الدليل ، أو إلى استصحاب البراءة الأصليّة حتى تدخل ضمن الأمارات الظنيّة وإنّما اعتبارها مستند إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان وسائر الأدلّة من الآيات والروايات ، فلا يدور اعتبارها مدار إفادة الظنّ وعدمه ، وبذلك ثبت أنّها أصل من الاصول العمليّة.
نعم ، لو كان اعتبارها مستندا إلى استصحاب البراءة الأصليّة ، أو إلى عدم الدليل ـ كما تقدّم ـ فهو وإن كان قد يفيد الظنّ بعدم الحكم واقعا إلّا إنّ هذا الظنّ لم يكن معتبرا شرعا ، لقيام الإجماع على عدم اعتباره.
واستصحاب البراءة الأصليّة لا يجدي في إدخالها ضمن الأمارات لأنّ التمسّك بالاستصحاب هنا لمجرّد العمل على طبق الحالة السابقة تعبّدا بحكم الشرع حتى وإن لم يفد الظنّ ، وبذلك تكون البراءة من الاصول لا من الأمارات ، فتأمّل جيدا.
(الثالث : لا إشكال في رجحان الاحتياط عقلا ونقلا).
وهو يشتمل على ثلاثة مطالب :
الأوّل : هو حسن الاحتياط عقلا وشرعا.
والثاني : هو بيان حال الأمر المتعلّق بالاحتياط ، هل هو إرشادي أو مولوي؟
والثالث : هو عدم الفرق في حسن الاحتياط بين أفراد المسألة.