قلت : إن اريد بالضرر العقاب وما يجري مجراه من الامور الاخرويّة فهو مأمون بحكم العقل بقبح العقاب من غير بيان ، وإن اريد ما لا يدفع العقل ترتّبه من غير بيان ، كما في المضار الدنيويّة ، فوجوب دفعه عقلا لو سلّم ـ كما تقدّم من الشيخ وجماعة ـ لم يسلّم وجوبه شرعا ، لأنّ الشارع صرّح بحليّة ما لم يعلم حرمته ، فلا عقاب عليه ، كيف وقد يحكم الشرع بجواز ارتكاب الضرر القطعي الغير المتعلّق بأمر المعاد ، كما هو المفروض في الضرر المحتمل في المقام؟!
____________________________________
ذلك في البراءة العقليّة.
(قلت : إن اريد بالضرر العقاب وما يجري مجراه من الامور الاخرويّة فهو مأمون بحكم العقل بقبح العقاب من غير بيان ... إلى آخره).
أي : لو كان المراد بالضرر هو الضرر الاخروي الذي هو عبارة عن العقاب ، أو انحطاط الدرجة ، لكان منتفيا بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ لأنّ هذه القاعدة تنفي احتمال العقاب ، فتكون واردة على قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، كما مرّ في البراءة العقليّة.
(وإن اريد ما لا يدفع العقل ترتّبه من غير بيان كما في المضار الدنيويّة).
أي : ولو كان المراد بالضرر المحتمل هو الضرر الدنيوي ، فلا يحكم العقل بوجوب دفعه.
ولو سلّمنا بوجوب دفعه ، لم نسلّم وجوبه شرعا ؛ لأنّ الشارع صرّح بحليّة كلّ ما لم يعلم حرمته ، فينتفي حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، بعد إذن الشارع بارتكابه ؛ لأنّ العقل لا يحكم بوجوب دفع مطلق الضرر ، وإنّما يحكم بوجوب دفع الضرر غير المتدارك ، ومع حكم الشرع بالحليّة وجواز الارتكاب يتدارك الضرر ، فلا يحكم العقل بوجوب دفعه ، كما لا يحكم الشرع بالاجتناب عنه ، إذ لا تفكيك ـ حينئذ ـ بين حكم الشرع والعقل ، فلا يرد ما قيل من : لزوم التفكيك بين حكم العقل والشرع ، حيث يحكم العقل بوجوب دفع الضرر الدنيوي والشرع بعدمه ، مع أنّ المعروف هو الملازمة بين حكم العقل والشرع ؛ لأنّ العقل إنّما يحكم بالوجوب في خصوص ما لم يحكم الشرع بجواز ارتكابه ، وقد حكم الشرع بجواز ارتكاب الضرر المقطوع إذا لم يكن اخرويا فضلا عن المحتمل ، كما لم يحكم العقل بالوجوب ، وبذلك لا يلزم التفكيك بين العقل والشرع.