عند إنذار المنذرين من دون اعتبار إفادة خبرهم العلم لتواتر أو قرينة ، فيثبت وجوب العمل بخبر الواحد.
أمّا وجوب الحذر ، فمن وجهين :
____________________________________
منها : أن يكون المراد من النّفر النّفر إلى طلب العلم وتعلّم الأحكام الشرعية لا النّفر إلى الجهاد.
ومنها : أن يكون المراد من الإنذار إنذار كل واحد من النافرين قومه ، لا إنذار مجموعهم ـ مجموع القوم ـ حتى يقال : إنّ إخبار المجموع للمجموع يفيد العلم فيخرج عن محلّ الكلام.
ومنها : أن يكون المراد من الحذر الحذر العملي لا مجرّد الخوف النفساني ، بمعنى : وجوب التحذّر والعمل على كل شخص عقيب إنذار كل منذر ، سواء حصل من قوله العلم أم لا ، فيثبت حجّية قول المنذر.
ومنها : أن يكون الحذر بالمعنى المذكور واجبا عند إنذار المنذر.
وتحقّق هذه الامور غير الأمر الأخير واضح.
أمّا الأمر الأول فقد صرّح به بعض المفسرين حيث قال : إنّ المراد بالنّفر : هو النّفر إلى طلب العلم لا النّفر إلى الجهاد ، مضافا إلى كون باقي الآية قرينة على كون النّفر هو النّفر إلى طلب تعلّم الأحكام الشرعية.
وأمّا الثاني : فلأن تقابل الجمع بالجمع ظاهر في التوزيع ، أي : تقسيم الأفراد على الأفراد ، فمثلا : إذا جاء أمر لألف رجل مسلم بقتل ألف رجل كافر كان معناه أنّ كل رجل مسلم يقتل كافرا واحدا ، فيكون معنى قوله تعالى : (لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) ، أي : لينذر كل واحد من النافرين قومه كما هو مقتضى العادة ؛ لأنّ النّافرين للتّفقّه بعد تعلّم الأحكام لا يجتمعون عادة في محلّ واحد ليرشدوا الناس مجتمعين ، بل يذهب كل واحد منهم إلى ما يخصّه من المحل والوطن ثمّ يرشد من حوله من الناس.
وأمّا الأمر الثالث : فلأن ظاهر الحذر هو أخذ المأمن من الهلكة والعقوبة ، وهو العمل لا مجرّد الخوف النفساني ، فيكون المراد من الحذر العمل.
ولكن يبقى الكلام في الأمر الرابع : وهو إثبات وجوب الحذر ، وقد أشار إليه بقوله :