حاصل وجه الاندفاع : إنّ سؤال أهل العلم عن الألفاظ التي سمعها من الإمام عليهالسلام والتعبّد بقوله فيها ليس سؤالا من أهل العلم من حيث هم أهل العلم ، ألا ترى أنّه لو قال : سل الفقهاء إذا لم تعلم ، أو الأطبّاء ، لا يحتمل أن يكون قد أراد ما يشمل المسموعات والمبصرات الخارجيّة من قيام زيد ، وتكلّم عمرو وغير ذلك.
ومن جملة الآيات ، قوله تعالى في سورة البراءة :
(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)(١) مدح الله ـ عزوجل ـ رسوله صلىاللهعليهوآله ، بتصديقه للمؤمنين ، بل قرنه بالتصديق بالله
____________________________________
روايته وجب قبول رواية من ليس من أهل العلم بالإجماع المركّب).
فلا بدّ أوّلا : من تقريب التوهّم ، وثانيا : من بيان الاندفاع.
أمّا تقريب التوهّم فنقول : إنّ أكثر الرواة يصدق عليهم أنّهم أهل العلم ، كزرارة ومحمد بن مسلم مثلا ، فإذا ثبت وجوب قبول رواية هؤلاء وحجّية أخبارهم بالآية لكان قبول رواية غيرهم واجبا بالإجماع المركّب ، إذ لم يفرق أحد بين كون الراوي من أهل العلم وغيره فيتمّ المطلوب.
وأمّا الاندفاع فنقول : إنّ ما ذكرتم فيما إذا كان السؤال عن مثل زرارة سؤالا من جهة كونه من أهل العلم ، فيجب قبول روايته ـ حينئذ ـ بمقتضى الآية وقبول رواية غيره بالإجماع المركّب.
إلّا أنّه ليس السؤال من جهة كونه من أهل العلم ، بل السؤال يكون من حيث كونه راويا فلا يكون قوله وروايته حجّة ، إذ الآية تدل على حجّية رواية أهل العلم لا الراوي ، فلا مجال حينئذ للتمسّك بالإجماع المركّب أصلا.
وبالجملة ، يكون السؤال عن الرواة من حيث كونهم رواة ما سمعوا عن الأئمة عليهمالسلام من الألفاظ والأصوات ، لا من حيث كونهم أهل العلم حتى يكون قولهم حجّة بالآية وقول غيرهم حجّة بالإجماع المركّب ؛ لأنّ الإجماع المركّب يتمّ على الثاني وهو لم يكن ثابتا دون الأوّل.
__________________
(١) التوبة : ٦١.