وإنّما الكلام هنا في حكم الواقعة من حيث جريان أصالة البراءة وعدمه ، فإنّ في المسألة وجوها ثلاثة : الحكم بالإباحة ظاهرا ، نظير ما يحتمل التحريم وغير الوجوب ، والتوقّف بمعنى عدم الحكم بشيء لا ظاهرا ولا واقعا ، والتخيير.
____________________________________
نعم ، لا يصحّ استصحاب عدمهما لنفي الآثار المشتركة بينهما ، وذلك ما إذا فرضنا أنّ شخصا نذر درهما للفقير ، إلّا أنّه لا يعلم بأنّ نذره هذا تعلّق بفعل واجب ، أو بترك حرام ، ثمّ صلّى الجمعة تارة ، وتركها اخرى ، فلا يصحّ له استصحاب عدم وجوب الجمعة ، وعدم حرمتها لنفي وجوب الدرهم ، لأنّ ترك دفع الدرهم للفقير مخالفة قطعيّة عمليّة ، كما لا يخفى.
ثمّ الكلام في هذا المقام لم يكن في الاستصحاب ، وعدمه ، (وإنّما الكلام هنا في حكم الواقعة من حيث جريان أصالة البراءة وعدمه ، فإنّ في المسألة وجوها ثلاثة :).
الأوّل : ما أشار إليه المصنّف قدسسره بقوله :
(الحكم بالإباحة ظاهرا ، نظير ما يحتمل التحريم وغير الوجوب).
والثاني : ما أشار إليه بقوله :
(والتوقّف بمعنى عدم الحكم بشيء لا ظاهرا) ، لعدم الدليل على الإباحة ، ولا على وجوب الأخذ بالوجوب أو الحرمة ، (ولا واقعا) بتعيين أحدهما ، لعدم الدليل عليه ، ولا بالتخيير الواقعي الذي يظهر من الشيخ قدسسره لفساده ، كما تقدّم في بحث القطع في مسألة اختلاف الامّة على قولين ، فراجع.
ثمّ إنّ مرجع التوقّف إلى إلغاء الشارع لكلا الاحتمالين فيجوز الفعل والترك ، إذ [لا حرج في الفعل ، ولا في الترك بحكم العقل ، وإلّا لزم الترجيح بلا مرجّح] ، أي : لو لم يحكم العقل بنفي الحرج عن الفعل والترك معا مع تساويهما عند الشارع من جهة إلغائه كلا الاحتمالين ، بل لو حكم بالحرج في الفعل مثلا لزم الترجيح بلا مرجّح.
والثالث : ما أشار إليه بقوله : [ووجوب الأخذ ... إلى آخره] ، ثمّ هذا الوجه الثالث على قسمين :
أحدهما : وجوب الأخذ بأحدهما بعينه ، كالأخذ بالحرمة.
وثانيهما : وجوب الأخذ بأحدهما لا بعينه ، بمعنى أنّ المكلّف مخيّر بين الأخذ